الإسلام قوام هذه الأمةمقالات

عبدالرحيم فوده

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، السنة الأولى، العدد الثالث، ربيع الأول 1385هـ

 

الإسلام بمعناه العام هو الانقياد لله، بامتثال كل ما يأمر به، واجتناب كل ما ينهى عنه، وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، ومعناه الخاص هو هذا الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة، وقال الله فيه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فهو الدين الكامل، والنعمة التامة، والرسول الذي بعث به هو الرحمة العامة، كما يفهم من قول الله فيه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

وقد كان من يمن طالع هذه الأمة، ومن بشائر رحمة الله بها وبغيرها أو بها قبل غيرها، أن يهبط إليها إبراهيم عليه السلام، ويدع فيها ولده إسماعيل بواد غير ذي زرع ثم يعود إليها وإلى ولده فيها ليرفع معه قواعد البيت، ويقولان ما يحكيه القرآن: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فقد تفتحت لهذا الدعاء أبواب السماء، فجعل الله من ذريتهما أمة مسلمة، وبعث فيهم رسولًا منهم، وكان من مظاهر قدرته ورحمته أن هذا النبي الأمي يتلو عليهم - وهو أمي – آياته، ويعلمهم - وهو أمي - الكتاب والحكمة، ويزكيهم بما تتسع له كلمة التزكية من معاني التربية الرشيدة الصالحة.

والتوجيه السديد السليم، وذلك بعض ما يفهم من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

لولا الله ما اهتدينا:

أما الضلال المبين الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، فيكفي في تصوير جانب منه أن نذكر ما قاله جعفر بن أبي طالب للنجاشي في الحبشة ليرد به كيد الكائدين ووشاية الواشين إذ قال: (كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداة الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام فصدقناه وآمنا به).

هذا إلى أن معنى كلمة الضلال يسع أكثر مما ذكره جعفر رضي الله عنه، كالحيرة والضياع، والجهل، والبعد عن طريق الحق والصواب.

وقد كانت هذه الأمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، وكان اليهود يعيرونها بما يحكيه القرآن عنهم إذ يقول الله فيهم: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} وكانت كذلك حائرة لا تعرف لها طريقًا إلى الألفة والوحدة وتكوين كيان عام، ثم كانت ضائعة يخضع بعضها لسلطان الفرس في العراق، وسلطان الروم في الشام، ونفوذ الحبشة في اليمن،

أما مجتمعها في داخل هذه الجوانب المحتلة المستذلة فكان كما وصفه جعفر بن أبي طالب، قبائل يقتل بعضهم بعضاً، ويأكل بعضهم بعضاً، ويتربص بعضهم بعضاً، ثم تداركها الله بالإسلام وبالرسول الذي بعث به وقال الله فيه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فجمعها بعد فرقة، وقواها بعد ضعف، وجعلها كما يقول الله فيها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ولم تمض مدة قليلة حتى كانت هذه الأمة في القمة التي لم تصل إليها أمة، وحتى انتهت إليها مقادة العالم في كل شيء كان يعرفه العالم، وكل ما وصلت إليه من عزة وكرامة، ونهضة وحضارة، وعلم وحكمة، كان هو التفسير الكبير لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}.

مسؤولية هذه الأمة:

وقد ناط الإسلام بهذه الأمة مهمة لم يكلها إلى غيرها من الأمم وهي مهمة تبليغ الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة، والجهاد في سبيلها، والكفاح دونها، لأن الإسلام الذي دانت به وتلاقى أبناؤها عليه وأشربت قلوبهم حبه، لم يكن لها دون غيرها، وإنما هو الدين الذي أكمله الله وجعله صالحًا لكل زمان ومكان، وأتم به نعمته على جميع خلقه، وقال الله تعالى فيه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ومن ثم كان واجبًا على هذه الأمة في عهده، ومن بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أن تجاهد في سبيله، وتعمل على إعلاء كلمته، لأن الله اختارها لذلك، وأمرها بذلك، كما يفهم من قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.

على أن نزول القرآن بلغة العرب كان له أثره الكبير في تغريب المسلمين، وبذلك كسب العرب ما لم تكسبه أمة أخرى، وصارت لغتهم وعاء لكل العلوم العربية والإسلامية، ولا شك أن المسلمين كما يقول الله فيهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وكما يقول صلى الله عليه وسلم: (تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم) وأن الأساس الذي جعله الإسلام المقياس الذي يتفاضل به الناس على اختلاف ألسنتهم هو التقوى كما يفهم من قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى) ولكن تبعة المسلمين العرب إزاء هذا الدين أضخم وأعظم، فقد حفظ لهم لغتهم وجعلها اللغة الرسمية لجميع المسلمين، لأنها اللغة التي أنزل بها القرآن، ولأنها لغة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لأن العلوم العربية والإسلامية نبتت حول القرآن، واستمدت منه، وقامت عليه، وألفت بلغته.

الإسلام وحده سبيل العزة:

على أن الإسلام من قبل ومن بعد هو السبيل إلى العزة والكرامة والحياة الطيبة، كما يفهم من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وقوله جل شأنه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.

ومن ثم يتبين لنا مدى ما تنطوي عليه الدعوة إلى "العلمانية" أو إلى تنحية الإسلام عن حياة الأمة العربية من خطر يتهدد كيان هذه الأمة بخاصة والمسلمين بعامة.

وأي شيء يبقى لهذه الأمة من مفاخر ومقومات حياة إذا هي استجابت لهذه الدعوة الخبيثة المدمرة وتركت دينها وعلومها، ولغة كتاب دينها وهو كما يقول الله فيه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} وكما يقول جل شأنه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.

إن قوام هذه الأمة هو الإسلام، وقيمة هذه الأمة بالإسلام، وكرامة هذه الأمة بالإسلام، وصدق الله إذ يقول: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ}.