لماذا التفاؤل في الحياة ؟مقالات

المستودع الدعوي الرقمي

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

إن من جملة ما يحتاج إليه الإنسان أيَّما احتياج في هذه الحياة – حتى يعيش هانئًا دون كدر ، ويتغلَّب على مصاعب الحياة – التفاؤلَ ، أو الفأل الحسن ؛ حيث إن الإنسان في حياته يُقدِم على أمور كثيرة لا يدري ما عاقبتها ؟ ويواجه تحدِّياتٍ ومصاعبَ جمَّةً ، فيحتاج إلى نفسية مطمئنَّة مستقرَّة ، أما إذا كانت نفسيته مضطربةً قلقلة ، فلن يُنجز ولن يؤدِّيَ ما يجب عليه القيام به ؛ بل إنه سيَعْتَوِرُه النَّكد والقلق والضِّيق بصُوَره المختلفة طوال الوقت ، حتى في أحلامه !

وقد حضَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الفأل ، وهو من هَدْيِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ ؛ الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ» متَّفَق عليه .

هذا منهج وطريق رَسَمه النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -للمؤمنين : «وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ ؛ الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ» ، يُعجبني الفأل الصالح ، يعيش المؤمن متفائلًا ، ومُنطلَق التفاؤلِ هو الكلمة الحسَنة ، التي تُريح النفس ، وتملؤها بالأمل في الخير القابع في المستقبل ، فيزداد إيمانًا بُحسن ظنِّه في ربِّه - سبحانه وتعالى – حيث يؤمن أنه لن يكون في هذا الكون إلا ما أراده الله وقدَّره ، وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأَجَلها ، فيتوقَّع الجميل من الله تعالى وينتظره منه دائمًا ، مهما مرَّ به من الصعاب التي يظنُّ الإنسان أنه لا نجاة منها ، ويتذكر كلَّما مرَّت به مُهلِكة في ظنِّه ، ما أصابه من المهالك قبلها ، وكيف هيَّأ الله له الأسباب لينجوَ منها ، بعد أن كاد يقتله اليأس من الفرج .

لقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم – يطبِّق الفأل الحسن في كل الأمور الحياتية اليومية ؛ مثل أنه لدى زيارة المريض تجده - صلى الله عليه وسلم – يقول له : «لا بأس طهور إن شاء الله» ؛ فيفتح أبواب الأمل لذلك المريض بما سيكون له من الشفاء بأمر الله تعالى . أما من لا يظن بربِّه خيرًا ، فماذا ينتظره ؟!

في حديث البخاريِّ : عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ ، قَالَ : وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ : «لاَ بَأْسَ ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، فَقَالَ لَهُ : «لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، قَالَ : قُلْتَ : طَهُورٌ ؟ كَلَّا ؛ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ ، أَوْ تَثُورُ ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ ، تُزِيرُهُ القُبُورَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «فَنَعَمْ إِذًا» .

فذلك الأعرابيُّ يقول له النبيُّ – صلى الله عليه وسلم - : «لا بأس» ؛ أي : لا شدَّة عليك ولا عذاب ؛ أي : رفع الله عنك ذلك . «طهور» ؛ أي : تكفير للذنوب ، فكان ردُّ ذلك الأعرابيِّ على النبيِّ – صلى الله عليه وسلم - : "كلا" ؛ أي : ليس كما قلتَ ؛ " بَلْ هِيَ حُمَّى" ؛ أي : مرض مصحوب بالحرِّ . "تفور" يَظهَر حرُّها . "تُزيره" من أزاره إذا حمله على الزيارة وأجبره .

فكان ردُّ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – عليه : «فنعم إذن» ؛ أي : لك ما أحببتَ ورغبتَ به من الموت .

فذلك ظنُّه بربِّه - سبحانه وتعالى – فسينال ما أحبَّ ورَغِب به ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي» رواه مسلم.

فالله – سبحانه وتعالى - عند ظنِّ عبده به ، فمَن ظنَّ في الله الخير ، كان الله له على الخير ، ومَن ظنَّ بالله شرًّا وسوءًا ، كان على مثل ما ظنَّ هذا الإنسان .

إنه لم يُحسن أحد الظنَّ بالله تعالى إلا وجد خيرًا كثيرًا ؛ ولكن الإنسان أحيانًا – حسب قوة إيمانه - تطغى عليه المشاعر الحسية الإنسانية المقيَّدة بقدراته العقلية ، فيتناسى وعد الله ، ويصير كلُّ أمله متعلِّقًا بالأسباب المادية في ذاته وجهده وقدراته وإمكانياته، أو مساعدة من حولَه، ويعتمد على ذلك ، فيوكِله الله تعالى إلى ما اتَّكل عليه .

أما الإنسان الذي يُحسن الظن بالله تعالى ، ويتوكَّل عليه ، ويأخذ بالأسباب ؛ طاعةً لله ، لا اتِّكالاً عليها ، فيفوِّض أمره إلى مسبِّب الأسباب سبحانه ، فسيكفيه الله ما أهمَّه ، وسيجد خيرًا كثيرًا .

لقد خلق الله تعالى الإنسان في كَبَد ، يصارعه في هذه الحياة الدنيا ، فلو لم يُحسن الظن بربه ، ويتفاءل دائمًا أن الخير قادم ، لعاش في ضيق ، وتكالبت عليه الهموم ؛ وما أجملَ قولَ الطُّغَرائيِّ :

أُعَلِّــلُ النَّفْسَ بِالآمالِ أَرْقُبُهَا = ما أَضْيَقَ العَيْشَ لَولَا فُسْحَةُ الأَمَلِ

 فما أشدَّ حاجةَ الإنسان إلى اتِّباع هَدْيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم – بالعيش متلبِّسًا بالفأل ، والأمل في الخير ، وحسن الظن بربه ؛ حتى يؤتيَه الله تعالى ظنَّه ، ويستجيب دعاءه .

وما أقبحَ الحياةَ للإنسان الذي كلما تضيق به الأحوال ، لا يتَّبِع هذا المنهج النبويَّ العظيم ، فتتكالب عليهم الهموم ، وتتنزل عليه المشكلات تترى من كل حَدَب وصوب ، ويَيْئَس من رحمة الله ، فينتقل من عثرة إلى عثرة ، ومن حفرة إلى حفرة أعمق ، ومن مشكلة إلى مشكلات جمَّة ، حتى يتمنى الموت ، وربما قرر الانتحار ، وكل ذلك لأنه فقد الطريق ، وسار في طريق مظلم ، بعيدًا عن هَدي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم ، وما أجملَ قولَ أبي العتاهية :

هِيَ الأَيَّامُ وَالْعِبَرُ = وَأَمْرُ اللَهِ يُنْتَظَرُ

أَتَيْئَسُ أَنْ تَرى فَرَجًا = فَأَيْنَ اللَهُ وَالقَدَرُ