الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بمنِّه وفضله ورحمته أن جعل الأعمال الصالحة سببًا لدخول الجنة، ونيل رضوانه ، فالصالحات تقرِّب المؤمن من الله تعالى ، وتورث السعادة والرضا ، وسكينة القلب في الدنيا ، والفوز بالجنة في الآخرة .
وإنَّ العملَ الصالح هو الذي يُزكِّي صاحبَه ، ويرفع له ذكره في الدنيا والآخرة ؛ قال - تعالى - : {مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر : 10] .
وقد بيَّن القرآن الكريم والسنَّة المطهَّرة هذه الصالحاتِ والأعمالَ الجليلة ، وأجورها ، وفوائدها ، ومن هذه الصالحات ما ذكرت السنَّة أنها تُفتح لها أبواب السماء ، ومنها :
الدعاء في ثلث الليل الأخير :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال : «ينزل رَبُّنَا - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟» رواه البخاريُّ ومسلم .
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - : "والنزول في كلٍّ بلاد بحسبها ؛ لأن نزول الله سبحانه لا يُشبه نزول خلقه ، وهو سبحانه يوصف بالنزول في الثلث الأخير من الليل ، في جميع أنحاء العالم على الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه ، ولا يعلم كيفية نزوله إلا هو ، كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو عزَّ وجلَّ ؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، وقال عزَّ وجلَّ : {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}"[1] .
قول : (لا إله إلا الله) :
عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما قالَ عبدٌ : "لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ" قطُّ مخلِصًا ، إلَّا فُتِحَت لَهُ أبوابُ السَّماءِ ، حتَّى تُفْضيَ إلى العرشِ ، ما اجتَنبَ الكبائرَ» رواه الترمذيُّ والنسائيُّ وحسَّنه الألبانيُّ .
الدعاء عند حضور النداء والصف في سبيل الله :
عن سهل بن سعد الساعديِّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ساعتانِ تُفْتَحُ فيهما أبوابُ السماءِ ، وقَلَّما تُرَدُّ على داعٍ دعوتُهُ : عند حُضورِ النداء ، والصفِّ في سبيلِ اللهِ» رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان وصحَّحه الألبانيُّ .
وثَمَّةَ صيغةٌ وَرَدت في السنَّة في الدعاء بعد الأذان مباشرة ؛ فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ : اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ . حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاريُّ .
انتظار الصلاة :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ ، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ ، وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْرِعًا ، قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ ، وَقَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ ، فَقَالَ : «أَبْشِرُوا ، هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ ، يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ ، يَقُولُ : انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى» رواه ابن ماجه وصحَّحه الألبانيُّ .
وللحصول على تمام الأجر ؛ على المسلم الذي ينتظر الصلاة أن يحرص على الوضوء طوال انتظاره للصلاة ؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الملائكةُ تصلِّي على أحدكم ما دام في مُصلَّاه ، ما لم يُحدِثْ : اللهمَّ اغفرْ له ، اللهمَّ ارحمْه ، لا يزال أحدُكم في صلاةٍ ما دامت الصلاةُ تَحبِسه ، لا يمنعه أن ينقلبَ إلى أهلِه إلا الصلاةُ» رواه البخاريُّ ومسلم .
دعاء الاستفتاح : (اللَّهُ أَكْبَرُ كبيرًا ، والحمدُ للَّهِ كثيرًا ، وسُبحانَ اللَّهِ بُكْرةً وأصيلًا) :
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : "بينَما نحنُ نصلِّي معَ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذ قالَ رجلٌ منَ القومِ : "اللَّهُ أَكْبَرُ كبيرًا ، والحمدُ للَّهِ كثيرًا ، وسُبحانَ اللَّهِ بُكْرةً وأصيلًا" ، فقالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : «مَنَ القائلُ كلمة كذا وَكَذا ؟» قالَ رجلٌ منِ القومِ : أَنا ، يا رسولَ اللَّهِ ، قالَ : «عَجِبْتُ لَها ، فُتِحَت لَها أبوابُ السَّماءِ» ، قالَ ابنُ عمرَ : فما ترَكْتُهُنَّ منذُ سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – يقول ذلك" رواه مسلم .
وهذه الصيغة هي إحدى الصيغ الواردة في أدعية الاستفتاح في الصلاة ، وهي ما يقوله المسلم بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة سورة الفاتحة ، والأفضل أن ينوِّع المصلِّي بين الصيغ الواردة في السنة المطهَّرة .
دعوة الإمام العادل والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمواتِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رواه أحمد ، والترمذيُّ وحسَّنه ، وابن ماجه .
عند خُروجِ رُوحِ المؤمنِ :
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي إِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا ، تَنَزَّلَتْ إِلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ كَأَنَّ عَلَى وُجُوهِهِمْ الشَّمْسَ ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ كَفَنٌ وَحَنُوطٌ ، فَجَلَسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، حَتَّى إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلَّا وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يُعْرَجَ بِرُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ» رواه أحمد وصحَّحه الألبانيُّ .
قضاء حوائج الناس :
عن أَبي حَسَنٍ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ مُرَّةَ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ : يَا مُعَاوِيَةُ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : «مَا مِنْ إِمَامٍ ، أَوْ وَالٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ ، وَالْمَسْكَنَةِ ، إِلاَّ أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ حَاجَتِهِ ، وَخَلَّتِهِ ، وَمَسْكَنَتِه ، قَالَ : فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ» رواه أحمد والترمذيُّ ، وصحَّحه الألبانيُّ .
[1] "مجموع فتاوى ابن باز" (4/ 420) .
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.