الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
كان معنى مصطلح "الأدب الإسلامي" عبارة عن مجرد الإشارة إلى الشعر والخطب الدينية في زمن النبوة ، مرورًا بعهد الخلفاء الراشدين ، والعصر الأموي وما بعده ، إلى أن بدأ بعض الأدباء والنقَّاد والمنظِّرين في منتصف القرن العشرين يتداولون معنى عصريًّا له في خضم الصراع الفكري في هذه المرحلة بين الأفكار التغريبية ومن كان يمثِّلها من الأدباء حينها ، والأفكار التي تدافع عن الهوية الإسلامية للأمة .
مثل كتاب "منهج الفن الإسلامي" ، الصادر عام 1961م ، حيث ربط فيه مؤلِّفه الأستاذ محمد قطب بين العقيدة والفنون ، ومن ضمنها الأدب ، وكان منظِّرو أدب الحداثة قد جعلوا التمييز والفصل بين الدين والفن من المسلَّمات .
ثم أصدر الأديب والروائي المصري الشهير نجيب الكيلاني أول كتبه النقدية في هذا الشأن بعنوان " الإسلامية والمذاهب الأدبية " ، دعا فيه للربط بين القيم الإسلامية والكتابة الأدبية ، وكانت رواياته الكثيرة تلتزم - إلى حد كبير – بذلك ، وتتناول قضايا المسلمين في العالم ، ثم أتبع نحيب الكيلاني كتابه ذلك بكتب تدور حول الفكرة نفسها ؛ مثل: " مدخل إلى الأدب الإسلامي " ، و" آفاق الأدب الإسلامي " ، و" الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق " ، و" تجربتي الذاتية في القصة الإسلامية ".
ثم توسَّعت القضية في السبعينيات رأسيًّا وأفقيًّا ، وتكاثرت الكتب في هذا الاتجاه ؛ مثل : كتاب " في النقد الإسلامي المعاصر " ، للأديب العراقي عماد الدين خليل ، أصدره عام 1974 ، وكتب الأديب المصري ، أنور الجندي ، عددًا كبيرًا من المؤلفات ، تدور حول التصدِّي للتغريب ، والدعوة لأسلمة الأدب .
ثم حدثت نُقلة نوعية بعقد مؤتمر بعنوان "الندوة العالمية للأدب الإسلامي" في مدينة "لكنهو" الهندية عام 1981م ، حضره ممثلون عن عدد كبير من الجامعات والروابط الأدبية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، حيث قدَّم المفكر الإسلامي الهندي الشهير ، أبو الحسن الندوي - وكان عضوًا في المجمع العلمي العربي بدمشق - بحثًا دعا فيه إلى تأسيس " أدب إسلامي " ، والعناية به ، وتوجيه الاهتمام إليه ، وكان نتيجته هذا المؤتمر الذي خرج بتوصيات عديدة ، ودعا إلى إبراز مفهوم الأدب الإسلامي ، وتأسيس رابطة باسم " رابطة الأدب الإسلامي العالمية " ، مَهمَّتها نشر وترويج " الأدب الإسلامي " ، وتنسيق جهود الأدباء الإسلاميين ، وإصدار مجلة خاصة باسم " الأدب الإسلامي ".
وتأسَّست " رابطة الأدب الإسلامي العالمية " عام 1984 ، وكان تأسيسها وانطلاقتها دفعة كبيرة لمصطلح " الأدب الإسلامي " وانتشاره ، فأخذت القضية في الانتشار على نحو متسارع في الوسط الأدبي والأكاديمي ، فانتشر المصطلح في أوساط أساتذة الجامعات ، وروابط واتحادات الكتَّاب والأدباء ، وتبنَّاها عدد من الأدباء والنقاد والأكاديميين ، وعارضها عدد كبير منهم .
ولتوضيح فكرة الرابطة ؛ نذكر ما كتبته الرابطة عن تأسيسها :
" إن واجب الدعوة إلى الله عز وجل عن طريق الكلمة الأصيلة الملتزمة ، والسعي إلى تعزيز الأدب الإسلامي وانتشار الأدب المزوّر في العالمين العربي والإسلامي ، كل ذلك دعا بعض الأدباء الإسلاميين إلى التفكير في إنشاء رابطة تجمع صفوفهم ، وتشدُّ كل واحد منهم بعضد أخيه ، وترفع صوتهم ، وتقفهم على واجبهم في التأصيل للأدب الإسلامي ، ونقد المذاهب الأدبية العالمية ومناهج النقد الحديثة ، وإيضاح ما فيها من إيجابيات وسلبيات .
وقد مرَّ إنشاء رابطة الأدب الإسلامي العالمية بمراحل عديدة ، إذ بدأت فكرة راودت أذهان عدد من الأدباء والنقاد الإسلاميين من مختلف الجنسيات ، ثم أخذت تتجسّد في لقاءاتهم منذ عام 1400هـ - 1980م إلى أن استقرَّ رأيهم على تكوين هيئة تأسيسية تدرس أبعاد الفكرة وتخطط لها ، وتراسل الأدباء في سائر الأقطار الإسلامية .
ثم كانت الندوة العالمية للأدب الإسلامي التي دعا إليها سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي – رحمه الله - في لكنو بالهند في شهر جمادى الآخرة عام 1401هـ الموافق شهر نيسان / أبريل 1981م ، ودُعي إلى هذه الندوة عدد كبير من رجالات العالم الإسلامي ، وفيهم كثير من المهتمـين بالأدب ، وفي هذه الندوة التي أعطت دفعًا قويًّا للأدب الإسلامي ، اتخذت توصية مهمة تتضمـن ( إقامة رابطة عالمية للأدباء الإسلاميين ) .
وقد تعزّز هذا الاتجاه في ندوة الحوار حول الأدب الإسلامي التي عُقدت في رحاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في شهر رجب عام 1402هـ الموافق شهر أيار / مايو 1982م ، ثم في ندوة الأدب الإسلامي التي عقدت في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في شهر رجب 1405هـ الموافق شهر نيسان / أبريل1985 م . وخلال هذه الفترة قامت الهيئة التأسيسية للرابطة بالاتصال بسماحة الشيخ أبي الحسن الندوي ، وعرضت عليه ما قامت به من أعمال تمهيدية واتصالات موسعة ، ورغبت إليه أن يتبنى إنشاء هذه الرابطة ، واستجاب سماحته بما عرف عنه من صدر رحب ، وبصيرة نافذة ، ووعي وحكمة بالغين ، وإدراك لدور الأدب في وجدان الأمة ، وترشيد مسارها ، وإنـارة طريقها في العود الحميد إلى الإسلام ، الذي هو مسوِّغ وجودها ، وحصنها المنيع " .
وقد انبثقت عن الهيئة التأسيسيـة لجنة تحضيرية تولَّت الإعلان عن قيام ( رابطة الأدب الإسلامي العالمية ) ، ونشرت هذا الإعلان في عدد من الصحف والمجلات بتاريخ 2/3/1405هـ الموافق 24/11/1984م .
ثم دعت الهيئة التأسيسية إلى مؤتمر الهيئة العامة الأول ، بعد انتساب عدد كبير من الأدباء إليها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، وعُقد هذا المؤتمر في رحاب جامعة ندوة العلماء بلكنو في الهند ، في شهر ربيع الآخر عام 1406هـ الموافق لشهر كانون الثاني / يناير 1986م ، حيث تم وضع النظام الأسـاسي للرابطة ، وانتخاب مجلس الأمناء ، كما انتُخِبَ سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي رئيسًا للرابطة مدى الحياة ، وتمَّ الترخيص الرسمي للرابطة في مقرها الرئيس بمدينة لكنو بالهند ، ثم انتقل مقر الرابطة إلى مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية سنة 1421هـ / 2000 م بعد وفاة الشيخ أبي الحسن الندوي – رحمه الله - وانتخب مجلس الأمناء بالإجماع الدكتور عبد القدوس أبو صالح أحد مؤسسي الرابطة رئيسًا لها .
وقد وضعت رابطة الأدب الإسلامي العالمية أهدافًا لها تمثَّلت فيما يلي : تأصيل الأدب الإسلامي وإبراز سماته في القديم والحديث ، وإرساء قواعد النقد الأدبي الإسلامي ، وصياغة نظرية متكاملة للأدب الإسلامي ، ووضع مناهج إسلامية للفنون الأدبية الحديثة ، وإعادة كتابة تاريخ الأدب الإسلامي في آداب الشعوب الإسلامية ، وجمع الأعمال الأدبية الإسلامية المتميزة ، ونقلها إلى لغات الشعوب الإسلامية وغيرها من اللغات العالمية ، والعناية بأدب الأطفال ، ووضع منهج لأدب الطفل المسلم ، ونقد المذاهب الأدبية العالمية ومناهج النقد الحديث ، وإيضاح ما فيها من إيجابيات وسلبيات ، وتعزيز عالمية الأدب الإسلامي ، وتوثيق الصلات بين الأدباء الإسلاميين ، وإقامة التعاون بينهم ، وجمع كلـمتهم على الحق وفق منهج الوسطية والاعتدال ، والبعد عن الغلو والتطرف ، وإسهـام الأدب الإسـلامي في تنشئة الأجيال المؤمنة ، وصياغـة الشخصية الإسلامية المعتزة بدينها القويم وتراثها العظيم ، وتيسير وسائل النشر لأعضاء الرابطة ، والدفاع عن الحقوق الأدبية للرابطة وأعضائها .
وقد اختارت الرابطة لتعريف الأدب الإسلامي الصيغة الآتية :
" الأدب الإسلامي هو التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي " .
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.