الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
ما زالت مخطَّطات تدمير المجتمع الإسلامي من خلال تدمير الأسرة المسلمة، وعمادها المرأ،ة لا تهدأ منذ عقود بعيدة ؛ بل تزداد باطراد ؛ حيث إن قوى الظلام وأعداء الأمة قد فطنوا لمكانة وتأثير المرأة في الأسرة والمجتمع والأمَّة ، ودورها الأساسي في بناء الأمَّة ، والحفاظ عليها ، والدفاع عنها .
إن المرأة هي مصنع الحياة ، منذ أن ينشأ الجنين في بطنها ، وهي التي تصنع الحياة في بيئتها ، وهي التي تنظّم حياة الأسرة وترتّبها .
لذا ؛ علموا أنهم إذا نجحوا في إفساد المرأة المسلمة وتغريبها وتضليلها ، تهاوت حصون الأمة الإسلامية ، وانهارت مقاومتها ، واستسلمت مبتسمة لأعدائها .
ومن ثم صار تركيز أعداء الأمَّة في تصويب سهامهم المسمومة على المرأة المسلمة ، وزادوا من مدافعهم الثقيلة لدكِّ حصونها ، حتى تفتح لهم الثغرات التي يخترقون منها الأمة .
وفي هذه المقالة نعرِّج سريعًا على قضية المرأة ، وماذا يريدون منها ؟
بدايةً ، لا بدَّ من مراعاة أمر مهم ، يوضِّح كثيرًا من خفايا هذا الموضوع الخطير :
إننا عندما نتحدّث عن المرأة فإننا نتحدّث عن الإنسان عامَّة ، وعن الأسرة والمجتمع والأمة ، فلا ينبغي أن نخصِّص قضية منفصلة للمرأة ، ولا ننجرُّ لطريقة أعداء الأمة في تناول أوضاع المرأة بطريقة تجزيئية ، تجزّئ القضية الواحدة ، في حين أنها متكاملة ، فيخرجون كلًّا من المرأة والطفل من السياق الأُسريِّ ، مع التركيز على الحقوق دون التطرق إلى ذكر الواجبات ، فكلمة " حقوق المرأة " و " حقوق الطفل " هي الأساس الذي تنبني عليه مؤتمراتهم ، ولا ذكر فيها لأي واجبات ، سواء على المرأة أو على الطفل .
فليس هناك فصل بين أفراد الأسرة ، وتلك هي الصورة السليمة التي تكوّن أطفالاً سليمي السلوك والتصرّف ، فإذا كان هناك صراع داخل الأسرة ، وبين الأجيال ، فإن الفوضى تعمُّ المجتمع ، والمرأة التي هي رحمة لأسرتها تغرق في لجَّة عميقة من الأنانية .
ربما كان هناك حقوق للمرأة منقوصة ، وكذلك للرجل والطفل ؛ ولكنها ليست الحقوق التي تنادي به هذه المؤتمرات : حرية إشباع الغرائز الجنسية ، بغضِّ النظر عن كونها شرعية أو غير شرعية ، طبيعية ( بين ذكر وأنثى ) أو شاذة (بين ذكريين أو أنثيين ) ، وعلى الحكومات أن تبارك هذه العلاقات وتحميها وتضمن لها السرية ؛ بل وتوفر وسائل منع الحمل لكل الأفراد من كل الأعمار ، وإذا ما حدث حمل غير مرغوب فيه ، فلا بد أن يكون الإجهاض قانونيًّا ومشروعًا ومتاحًا للجميع بدون أي مساءلة قانونية . . هذه هي حرية المرأة وحقوقها التي يدعون إليها !
إن هذه المؤامرات والمؤتمرات المشبوهة التي تريد فرض حقوق للمرأة بعيدة كل البعد عن مشكلاتها الحقيقية التي تعانيها ؛ فليس الطموح الحقيقي للمرأة في العمل خارج منزلها في كل المهن التي يمتهنها الرجال ، وليست المرأة الصالحة – كما يدعون - هي التي تعمل خارج بيتها ، وتنافِس الرجال في الجليل والحقير ، وليست رَبَّة البيت هي امرأة تافهة مسكينة ، مُعرَّضة لكلِّ أنواع الاستغلال والإذلال .
وعندما وجدوا أن الإسلام صخرة في طريق تنفيذ مخططات إفساد المرأة ، صاروا يركزون حديثهم في اضطهاد المرأة على المرأة المسلمة ، فصارت كلُّ المؤتمرات التي تعقد حول المرأة ، فيها تهجُّم على المسلمين ، وكأنّ مشكلة المرأة في العالم هي مشكلة المرأة المسلمة ، والعجيب أنك لو بحثت في الوفود العربية والمسلمة المشاركة ، ستفاجأ أنه لا توجد شخصية واحدة متخصّصة في الفكر الإسلامي ، ولا عالم من علماء الإسلام ، بالرغم من أنّ الهجمة على الإسلام في المؤتمر واضحة وشرسة ، وإن كان بعضهن حاولن الحضور بصفة مراقب في هذه المؤتمرات للحوار الجانبي مع بعض المشاركات .
وهم يقصدون ذلك ؛ لأنه لو شارك أحد ممن قضيته الدفاع عن الإسلام ، فسيهدم قواعدهم التي أسسوا عليها هجومهم على المجتمع الإسلامي واضطهاده للمرأة ، فسيكون الحديث حينها عن خصوصية المرأة المسلمة ، وأنه لا ينبغي فرض قرارات الأمم المتحدة ، كنموذج حضاري أوحد على العالم لتلتزم به الدول كلها ، وذلك بإضفاء صفة العالمية على ما يقدّمه بهذا الشأن ، وإجبار العالم على تنميط ثقافاته وَفْقًا لذلك النموذج ، فارضًا معاييره على أنها مبادئ وقواعد مستقرة ومسلَّم بها على نطاق عالمي ؛ بل يجب أن تُنفَّذ بالطريقة التي تناسب كل مجتمع ، وظروفه وثقافته ومعتقداته ، وإلا فهذا إلغاء لمبدأ التعدد الثقافي وقبول الآخر .
وعندما يحدث حوار من الناشطات الإسلاميات مع دعاة – أدعياء – حقوق المرأة الذين يركزون على قضايا الميراث وشهادة المرأة ومعنى الولاية والقوامة ، فتجد أثناء الحوار مدى جهلهم بحكمة التشريع الإسلامي ، حتى إن الناشطات الإسلاميات كن يعقدن مقارنات بين المجتمعات الإسلامية والغربية ، فسألت إحداهن في إحدى الحوارات حول ادعاءات ظلم الإسلام للمرأة في الميراث : هل النموذج الذي تُرِدْنه أن يورِّث الرجل كلبه أو قطّته تَرِكته ، ويمنع أبناءه وزوجته ؟ فالمقارنة تُظهر صفاء ونقاء النموذج الإسلامي .
أما قضية تحرير المرأة أو حريتها ، فهل الحرية هي الانفلات ، وإزالة قيود الإنسانية للعيش في الحرية البهيمية ؟!
لقد رأينا أن الدول التي عدّلت بالفعل قوانينها لتتطابق مع الاتفاقيات الدولية - وبالتحديد اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) - حدثت لديها تغيرات مجتمعية مفزعة ، من الزيادة الهائلة في نسبة الطلاق والعنوسة والانحلال الأخلاقي والجرائم الأخلاقية وهلم جرًّا ، وهناك تصريح منذ أكثر من عقد من الزمان لنائب رئيس محكمة الأسرة في مصر قال فيه : " إن نسب الطلاق الأخيرة دليل على كثرة القوانين التي تُعنى بالمرأة ، وتؤدي في النهاية إلى ما نسميه التفكك الأسري " .
أما المغرب الذي غيّر مدوَّنة الأحوال الشخصية ، فرصدت الإحصائيات ارتفاعًا واضحًا في نسبة العنوسة ، مصحوبًا بارتفاع كبير في نسبة الفتيات اللواتي يزوجن أنفسهن بأنفسهن ، حيث تم رفع الولاية عن الفتاة البكر الرشيد في الزواج ، وتبع ذلك ارتفاع واضح في نسب اللجوء لدور إيواء الأمهات العزباوات ، الدور التي تم تأسيسها تحت ضغوط شديدة من قبل هيئة الأمم المتحدة بسبب كثرة ( الأمهات اللاتي حملن سفاحًا ) .
والحديث عن قضايا المرأة طويل ومتشعِّب ، ونختمه بالقول الشهير لأحد أقطاب الاستعمار حيث يقول : " كأس وغانية تفعلانِ في الأمَّة المحمديَّة ما لا يفعله ألفُ مِدْفع ؛ فأغرِقوهم في الشهوات والملذَّات " .
وللحديث بقية .
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.