الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
في خضمِّ الصراع المستعر بين الفكر الإسلامي والأفكار التغريبية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية وهلم جرًّا ، تبرز قضية الأدب الإسلامي وسط هذا الصراع في أهم روافد الفكر ، وهو الأدب ؛ فالعلمانيون وأصحاب الأفكار التغريبية ينكرون ويستنكرون الأمر من أول التسمية " الأدب الإسلامي " إلى إنكار إبداع يمكن أن يوصف بالإسلامي .
وبمجرد ظهور الدعوة للأدب الإسلامي ، الذي يلتزم بآداب الإسلام ، شنَّ مدَّعو الحداثة من العلمانيين والشيوعيين - وما زالوا - الحرب عليه ؛ بدعوى أنه ليس هناك دينٌ في الأدب ؛ على مذهبهم في سائر المجالات : لا دين في السياسة ، ولا دين في الفن ، ولا دين في الكرة ، حتى إن لسان حالهم يقول : لا دين في الدين .
وهم الذين سرقوا لفظَ " الحداثة " ، وحصروه في الأدب - زعموا - الذي يدعو إلى الفجور والرذيلة ، أو سَب دين الإسلام فقط ، مع أنه مصطلح في منشئه في الغرب دعوة إلى التجديد في الأدب ، وهذا التجديد يسعُ كلَّ الأفكار ، بما فيها الداعية إلى الفضيلة .
إنهم يتقبلون الأدب المسيحي ، واليهودي ، والشيوعي ، والإباحي ، وهلم جرًّا ؛ ولكنهم يضيقون فقط بالأدب الإسلامي .
وهناك مؤلفات كثيرة الآن تعنى بشرح مفهوم الأدب الإسلامي ، وهاك بعض التعريفات له :
"الأدب الإسلامي" كما جاء في نشرة التعريف برابطة الأدب الإسلامي العالمية: هو التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون في حدود التصور الإسلامي لها..." .
ويقول الدكتور عبدالرحمن رأفت باشا : " الأدب الإسلامي هو التعبير الفني الهادف عن واقع الحياة والكون والإنسان عن وجدان الأديب ، تعبيرًا يَنبع مِن التصور الإسلامي للخالق - عز وجل - ومخلوقاته ، ولا يُجافي القيم الإسلامية " .
ويقول الدكتور مأمون جرار : " إن الأدب الإسلامي هو الأدب الذي يُقدِّم التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان ؛ وهناك يجب التركيز على شرط الأدبية والإسلامية معًا " .
ويقول القاص نعيم الغول : " يَنبغي الخروج مِن العفويَّة في التعريف ، ولذلك أقول : الأدب الإسلامي هو التعبير الفني الجميل الهادف وَفْق التصوُّر الإسلامي عن الكون والحياة والإنسان ، ومِن الْمُهمِّ أن يكون تعبيرًا هادفًا ؛ أي : إنه التزام بالإسلام " .
ويُجمل الأستاذ نجيب الكيلاني مفهوم " الأدب الإسلامي " قائلاً : " ذلك هو مفهومنا الشامل للأدب الإسلامي : تعبير فني جميل مؤثر ، نابع من ذات مؤمنة ، مترجم عن الحياة والإنسان والكون ، وفق الأسس العقائدية للمسلم ، وباعث للمتعة والمنفعة ، ومحرك للوجدان والفكر ، ومحفز لاتخاذ موقف ، والقيام بنشاط ما " .
وقد أتى في مقدمة ديوان " ملحمة حر (ص ص 5-9) " لعبدالحميد ضحا – الذي نص على أنه مثال للشعر الإسلامي – شرح مختصر لواقع هذه القضية ، وردٌّ على من يريدون حصر الأدب الإسلامي في الوعظ ، فعرَّف الأدب الإسلامي بأنه: الأدب - بشتى فروعه من شعر ورواية وقصة قصيرة . . . إلخ - الذي يراعي آداب الإسلام وأحكامه ، ويُعْنى بإشاعة الفضيلة ومحاربة الرذيلة في المجتمع . قال الشاعر :
وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلاَّ سَيَفْنَى = وَيَبْقَى الدَّهْرَ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ
فَلا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ = يَسُرُّكَ فِي الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ
ومعلوم أن للأدب دورًا عظيمًا في تاريخ البشرية عامة ، وفي تاريخ المسلمين خاصة ، وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( إن من البيان لسحرًا ، وإن من الشعر لحكمة )) ، ولما كان يوم الأحزاب ، وردَّهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرًا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من يحمي أعراض المؤمنين؟ )) قال كعب : أنا يا رسول الله ، فقال : (( إنك تحسن الشعر؟ )) فقال حسان بن ثابت : أنا يا رسول الله ، قال : (( نعم ، اهجهم أنت ، فسيعينك روح القدس )) .
فالأدب الإسلامي هو لسان المجاهد والداعية ، والمدافع عن الإسلام وعقيدته وشريعته ، فهو حاضر منذُ انبلج فجرُ الإسلام ، وقد استمرَّ عبرَ القرون وخلالَ العصور حتى يومِنا هذا .
أما مصطلح " الأدب الإسلامي " ، فهو حديث ، وقد أخذ موضعه بسبب تصدِّيه للهجمة العلمانية الشرسة على كل ما هو إسلامي ، ومحاولة حصر الأدب والحداثة في الخلاعة والمجون والشذوذ ، والثورةِ على قواعد الإسلام ؛ بدعوى الخروج على التابوهات !!
وقد صارت هناك رابطة ومدرسة تُعنى بالأدب الإسلامي ، تنشر هذه الآداب من شعر وقصة ورواية وهلم جرًّا ، وتنافح هذه المدرسة عن هذه الفكرة من يتهمون الأدب الإسلامي بأنه مجرد أدب وعظي خالٍ من الروح الأدبية ، وتدعو أدباء هذه المدرسة إلى التجديد في الأدب ، والاهتمام بنشر اللغة الفصحى وتحبيبها للناس ، مع استخدام واستحداث الصور والأساليب الجمالية التي تأخذ بلبِّ المتلقي ؛ تطبيقًا لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إن من البيان لسحرًا )) .
نريد إبداعَ أدبٍ إسلامي ، ملتزمٍ بقضايا الأمة ، يراعي أصول الإسلام ، نريده رفيع المستوى ، عالي الجودة ، ذا لغة جزلة وفصيحة ، وصور تعبيرية راقية ، يخوض في الأغراض الأدبية المختلفة .
نريد إبداع الأدب الإسلامي الرائع البيان والصور ، الذي يلامس الروح ، ويخاطب العقل ، ويثير الأحاسيس والعواطف الوجدانية والإنسانية ، ويسمو بها .
نريده مصوِّرًا واقع الأمة تصويرًا حيًّا ، من غير بهرجة ، ولا زخرفة ، ولا رمزية غامضة ، مدافعًا عن عقيدتها ، ناصرًا قضاياها ، ناشرًا للفضيلة ، محاربًا للرذيلة .
نريد أديبًا متأثرًا بلغة القرآن الكريم ، وبيانه ، ومعانيه ، وأساليبه ، وصوره ، وكيف يصور واقع الإنسان ، وهمومه ، وأحواله ، ونفسيته ، وما يعانيه من المآسي والويلات ، وما في نفسه من الخير والشر ، ويقدم له العلاج الناجع ، والبلسم الشافي ، وما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة .
ولكن للأسف الأمر شديد وصعب ؛ فالصراع الدائر في المجال الأدبي صراع شرس ، فكل مفاتيح الأدب الرسمي في أغلب الدول في أيدي العلمانيين والشيوعيين ، وهم يُشْهرون أي فتى أو فتاة حتى لو كان ضعيفًا في الإملاء والكتابة ، ما دام يثور على محارم الله وشريعته ، بدعوى " الخروج على التابوهات " ، فيظهرونه في الإعلام ، ويحصل على الجوائز ، أما المواهب الإسلامية ، فيحاربونها ، وتحرم من الحضور الإعلامي الرسمي والجوائز الرسمية ، مهما وصل في الموهبة والإتقان .
لذلك ؛ يحتاج الأدب الإسلامي إلى أدباء من نوعية خاصة ، يملكون الموهبة والدراسة ؛ حتى يُفْحِموا الأدعياء بموهبتهم وإتقانهم .
ومن ثم ؛ نحتاج إلى أديب ذي ملكة فنية أرقى من تلك التي يحتاجها أديب غير ملتزم ؛ حتى يحوِّل المألوف في عرف الأدب مما يخالف العقيدة إلى غير مألوف ، والخير إلى شيء باهر جذَّاب ، نريده ساحر البيان ، وحكيم الزمان .
أما عن مناقشة الأدب الإسلامي وخصائصه وأعلامه وهلم جرًّا ، فله حديث آخر .
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.