الجِندر والحرب على الفطرةمقالات

المستودع الدعوي الرقمي

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

يثار منذ عقود في الإعلام والمؤتمرات النسوية مصطلح "الجندر" ، وتحاول الحركات النسوية العالمية تسويقه على المستوى العالمي ، خاصة في العالم الإسلاميِّ ، وقد حقَّقت نجاحاتٍ كبيرةً ، لدرجة تبنِّي هيئة الأمم المتحدة الهُوِيَّة الجندرية ، ووصفتها منظمة الصحة العالمية - إحدى المنظمات العاملة بهيئة الأمم المتحدة - باعتبارها الخصائص التي يحملها الذكر والأنثى كصفات مركَّبة فيهما باعتبارها الاجتماعي دون أن يكون لها علاقة بالاختلافات العضوية ، وهو ما يحيل في النهاية إلى المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة دون اعتبار الخلافات البيولوجية بينهما .

ولا شكَّ أن دين الإسلام يقف حجر عثرة وصخرة أمام هذا الهراء ، وقتل الفطرة والطبيعة الإنسانية ، وتدمير المجتمع البشري بتجفيف نسله ، وما زالت محاولاتهم المستعرة لتطبيق ذلك في الدول الإسلامية ، بالضغط على الحكومات لإقرار ذلك بقوانين ملزمة تسمح بزواج الشواذ – ما يسمونهم المثليين (أي: زواج من نفس الجنس) - ولنبدأ بالحديث عن تاريخ هذا المصطلح "الجندر" ، ومفهومه ، وتحليله ، وتحديده بدقة ، وأثره على البشر .

إن مصطلح " الجندر " Gender أو " النوع الاجتماعي " : ظهر في السبعينيات مِن القرن العشرين ، وهي كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني ، وتعني في الإطار اللغوي " Genus " ؛ أي : " الجنس من حيث الذكورة والأنوثة " .

وإذا رأينا ما ذكرتْه "آن أوكلي" التي أدخلتِ المصطلح إلى عِلم الاجتماع ، سنجد أنَّها توضِّح أنَّ كلمة ( Sex ) ؛ أي : الجنس ، تُشير إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى ، بينما يشير النوع ( Gender ) إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة ( اجتماعيًّا إلى الذكورة والأنوثة ) ، ولديها كتاب عن هذا عنوانه ( الجنس والنوع والمجتمع ، عام 1972م ) .

وقد عَرَّفت الموسوعة البريطانية (الجندر) بأنه : " هو شعور الإنسان بنفسِه كذَكَر أو أنثى ، ولكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية ، ولا يكون هناك توافُق بين الصِّفات العضوية وهُويته الجندرية ، إنَّ الهُوية الجندرية ليستْ ثابتة بالولادة ، بل تؤثِّر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهُوية الجندرية ، وتتغيَّر وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية ، كلما نما الطفل " .

أما تعريف منظمة الصحة العالمية للجندر فـ " هو المصطلح الذي يُفيد استعماله وصفَ الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصِفات مركَّبة اجتماعية ، لا علاقة لها بالاختلافات العُضوية " .

وجاء تعريف " الجندر " في ( المادة الخامسة ) من ( اتفاقية السيداو ) المشبوهة - وهي المادة التي تطالب بتغيير الأنماط الاجتماعيَّة والثقافية لدَور كلٍّ من الرجل والمرأة ، بهدف تحقيق القضاء على التحيُّزات والعادات العُرفية - : " الجندر نوع اجتماعي يتعلَّق بالأدوار المحدَّدة اجتماعيًّا لكلٍّ من الذكر والأنثى ، وأن هذه الأدوار تُكتسب بالتعليم ، وتتغيَّر بتغير الثقافة " .

هذه بعض التعريفات المهمة التي توضِّح ما يريدونه من تدمير الفطرة الإنسانية والمجتمعات والأسر ، وقد وقف في البداية أمام المساواة المطْلقة بين الرجل والمرأة : اختلاف الصِّفات البيولوجية والفسيولوجية لكلٍّ من الذكر والأنثى ، وهي صفات واضحة وثابتة ، ولا يمكن إنكارها ، كما لا يمكن العبث بها ، ولا يعقل هذا !

ولكن عندما وقفت الفروق البيولوجية والفسيولوجية بين الذكر والأنثى كصخرة في طريقهم إلى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، تمَّ التركيز على (الجندر) ، أو النوع الاجتماعي ؛ لأنَّه يوضِّح الفروق بين الرجل والمرأة على صعيد الدور الاجتماعي ، والمنظور الثقافي والوظيفة ، تلك الفروق النابعة كنِتاج لعوامل دِينيَّة وثقافيَّة ، وسياسية واجتماعية ؛ أي : إنها فروق صَنَعها البشر عبرَ تاريخهم الطويل .

فإذا عجز البشر عن إزالة الفروق البيولوجية ، فمِن الممكن إزالةُ الفروق النوعية (الجندرية) بين الرجل والمرأة ، وذلك مِن خلال برامجَ تنمويةٍ تعمل على تغيير قِيمي وبنيوي داخلَ المجتمع ، يكفل إزالةَ هذه الفروق .

فإذا كان الرجل يُهيمِن على المرأة ، ويمارس قوَّة اجتماعيَّة وسياسية واقتصادية عليها – من وجهة نظرهم - فيجب منحُ المرأة قوَّة سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصادية تساوي القوةَ الممنوحة للرجل في جميع المستويات ، حتى في الأسرة .

وهذا المصطلح يشير إلى الأدوار والمسؤوليات التي يُحدِّدها المجتمع للمرأة والرجل ، وهو يعني أيضًا : الصورة التي ينظر بها المجتمعُ للمرأة والرجل ، وهذا ليس له عَلاقة بالاختلافات الجسديَّة ( البيولوجية والجنسية ) .

فالأمومة مثلاً ورغبات المرأة كلها مكتسبة ؛ أي : إن العلاقاتِ الجنسيةَ بين الرجل والمرأة هي بسبب ثقافة المجتمع ، لا طبيعة بشرية ، وهي مثل العلاقة الشاذة بالضبط بين رجلين أو امرأتين .

تقول أوكلي : " إنَّ الأمومة خُرافة ، ولا يوجد هناك غريزة للأمومة ؛ وإنما ثقافة المجتمع هي التي تصنع هذه الغريزة ، ولهذا نجد أنَّ الأمومة تعتبر وظيفةً اجتماعية " .

وفي كتاب " الأسرة وتحديات المستقبل " من مطبوعات الأمم المتحدة : " يمكن تصنيف الأسرة إلى ( 12 ) شكلاً ونمطًا ، ومنها أُسر الجنس الواحد ( يعني أُسر الشواذ ) " .

ومن ثم يتَّضِح من خلال التعريج السريع السابق على مفهوم الجندر أو النوع الاجتماعي استهداف الأمم المتحدة للمرأة المسلمة ، ومن ثم الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي ، فهم رغم حديثهم الدائم عن الاختلافات الثقافية والتنوع المجتمعي والثقافي في العالم ، يأتون في الأمور التي تدمر الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي ، فلا يراعون التنوع الثقافي ، بل يحاولون فرضه على الإسلام كدين ، ويريدون منه الإذعان وتطبيق هذه المفاهيم المدمِّرة للإنسانية والفطرة البشرية ، كما أذعنت المسيحية التي صارت تساير ما يدعون إليه تبعًا للكنيسة الغربية التي نفضت يدها ، وتقوقعت على نفسها ، وتركت المجتمع للعلمانية والمدنية ، حتى إن كثيرًا من الكنائس صارت تزوِّج الشواذ زواجًا شرعيًّا معترفًا به من الكنيسة !

أما دين الإسلام فيستحيل أن يذعن في ذلك ؛ فالأمر في دين الإسلام كله لله ، لا كما يقولون : " ما لله لله ، وما لقيصر لقيصر " .

وكما يتضح جليًّا مما سبق أن الجندر أو النوع الاجتماعي أثره ليس على المجتمعات الإسلامية وحدها ؛ بل إن له أثره المدمِّرَ على الجنس البشري ، فإنهم يريدون أن يفرضوا على البشر ما يناقض الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ويناقض طبيعة الإنسان وخلقته ؛ فليس هناك ذكر وأنثى إلا عند الميلاد ، وبعد ذلك تتكوَّن الهوية الجندرية بالاكتساب من عادات المجتمع ، حتى يصلوا إلى تكوين الأسرة التي تتكوَّن من زوجين ، لا يشترط رجل وامرأة ، بل تتكون اثنا عشر نوعًا من الأسر كما أقرَّته الأمم المتحدة .

والحديث عن الصراع المستمر مع العالم الإسلامي حول الجندر ، ووسائلهم لتطبيق ذلك المفهوم في المجتمع الإسلامي له حديث آخر .

0 شخص قام بالإعجاب


شاهد أيضاً