من أحسَّ يومًا أن دافعًا لا يدري سرَّه يدفعه إلى الاقتراب من الآخرين، ويجعله يمُّد يده لمن هو في حاجة إلى مساعدة أو عطاء، ثم وجد أن قلبه قد شغف بحب تَكرار هذا الفعل، فتعلَّق به، ومضى في سبيله، وأبحر في نهره، ساعيًا في خدمة الناس، وكلما تقدم للأمام، أحس بأنه لا عودة عن نهجه؛ بل لا بدَّ من الخوض في نهر الخير والعطاء إلى ما لا نهاية، حتى يصل إلى درجة أن يهب وقته ونفسه وماله لهذا العمل، فهذا ببساطة يعني أنه ذاق طعم السعادة الحقيقية، التي أذاق مثلها للآخرين.
وما سبق لا يقال إلا في الإنسان الإيجابي، النابضِ قلبُه بالحب والحياة، المبادر صاحب الهمَّة، الذي يتحرَّك من دون أن يَطلُب منه أحد ذلك، المتفاعل مع ما يحيط به، المهموم بهموم الآخرين، وهو الذي يدْعونه صاحب الحس الإنسانيِّ المرهَف.
وهو الإنسان الفاعل، المشارك، الراغب في إصلاح ما يحيط به والارتقاء به، إن كان دون المستوى الذي يروقه؛ امتثالاً لقول الله تعالى: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88].
وهو الإنسان المستجيب لأوامر ربِّه ونواهيه، يجيبه لما دعاه؛ امتثالاً لقوله تعالى: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف: 31]، وقوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} [الشورى: 47]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
وهذا يعني أيضًا أنه يعلم أن الإيجابية هي من صميم ديننا؛ فالمسلم ليس هو القاعدَ عن مدِّ يد العون للآخرين، ولا الكسول، ولا الحاقد، ولا الكاره، وهذا يعني أن الإيجابي هو المسارع في الخيرات، الذي لا يستهين بقيمة ما يقوم به أو يقدِّمه مهما كان قليلاً أو صغيرًا، فيحاول أن يقدِّم المزيد.
والأهمُّ أنه يُحسُّ بآلام إخوانه من المسلمين، فيتفانى في خدمتهم؛ ابتغاءَ مرضاة ربِّه، لا يبتغي جزاءً ولا شكورًا من أحد، إلا من ربه فقط، مستشعرًا المسؤولية عن نفسه وأسرته وماله ومجتمعه.
وأخيرًا.. كما قالوا: الإيجابي يساعد الآخرين، والسلبي يتوقَّع المساعدة من الآخرين.
المصدر: (مجلة الكوثر، عدد 213، شوال – ذو القعدة 1438هـ، يوليو 2017م، ص6)
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.