إن حياة الإنسان مليئة بالبلاءات وتغيُّر الأحوال ، والنجاح والفشل ، وإذا أردنا أن نتحدَّث عن النجاح والفشل ، ونضيء الطريق الموصل إليهما ، فعلينا أن نتناول ذلك بإجلاء الحقيقة حولهما ، ونمحو الحِكَم الخاطئة التي تدعو الناس للفشل ، أو التي تصيبهم بالخوف الدائم منه ، وإليك بعضَ الإضاءات :
- إن الخوف الْمَرَضيَّ من الفشل هو أقصر طريق إلى المزيد منه ، وإلى خيبة الأمل ، ويحول بين المرء والنجاح ، ويورث سلبياتٍ وأمراضًا أخرى للشخصية ؛ كعدم الثقة بالنفس ، وصَدَق قول الشاعر طلحةَ بنِ حزمٍ الأُمويِّ :
لَا تَكُونَنَّ لِلأُمُورِ هَيُوبًا = فَإِلَى خَيْبَةٍ يَصِيرُ الْهَيُوبُ
- زعموا أنه : لا بدَّ من الفشل ، فهو الطريق إلى النجاح . . وكأنهم يدْعون المرء لأن يفشل أولاً ؛ حتى يصل إلى النَّجاح ! وهذا لا يصحُّ ؛ فربما نجح المرء في أيِّ أمر سعى إليه - كدراسة وعمل وغير ذلك - من المرَّة الأولى ، وإلا فالثانية أو الثالثة ، أو ما بعدَها ، ما على الإنسان هو السعيُ وبذل الجهد واتِّخاذ كافة الأسباب الموصلة للنجاح ، ثم التوكُّل على الله بعد أخذ الأسباب ، لا التواكل ؛ فالتواكل أكبر أسباب الفشل .
- لا بد أن يسعى المرء للقمة في كل أموره ، وإذا أردتَ الوصول لقمة الجبل فلا بد من صعوده ، وإلَّا فلتهنأ بالعيش بين الحفر ، راضيًا مطمئنًّا ؛ فالطُّموح للنجاح يؤدِّي إلى السعي والعمل الدائب والثقة بالنفس ؛ ولتستعدَّ للهدف الذي تريد الوصول إليه استعدادًا تامًّا ، يرفع من ثقتك بنفسك .
- ليس هناك أسوأ من الفاشل إلا من لا يحاول النجاح ، ولا يمتلك العزيمة للسعي إليه ، ولله دَرُّ المتنبِّي حين قال :
وَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا = كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ
وصدق أبو القاسم الشابي في قوله :
إِذَا مَا طَمَحْتُ إِلَى غَايَةٍ = لَبِسْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الْحَذَرْ
وَمَنْ يَتَهَيَّبْ صُعُودَ الْجِبَالِ = يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الْحُفَرْ
- قال الله تعالى ممتدحًا المؤمنين بالفلاح والنَّجاح عن طريق العمل لا الأماني والطموح الزائف : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } [ المؤمنون : 1 – 5 ] .
إن نجاح المؤمن وفلاحه مرتبطٌ بالعمل ، أو بسلسلة من الأعمال : الخشوع في الصلاة ، والإعراض عن اللغو ، وفعل الزكاة ، وحفظ الفرج ، وهَلُمَّ جرًّا .
- هناك فرق بين الطموح وبين الأماني والأحلام ، والفرق بينهما في السعي والعمل ؛ فالطموح يتطلَّب العمل ، ولله درُّ عمرَ بنِ عبدالعزيز – رحمه الله - حين قال : " إنَّ لي نفسًا توَّاقة ، تَمنَّتِ الإمارة فنالتها ، وتَمنَّت الخلافة فنالتها ، وأنا الآن أتوق للجنَّة ، وأرجو أن أنالها" ، طموح يتبعه عمل يؤدِّي إلى النجاح والفلاح ، أما الأماني والأحلام فتقرُّ في الذهن دون عمل يناسب نجاح الحُلم ، فيؤدِّي إلى الفشل والأحزان ؛ يقول الشاعر :
وَلَمْ أَجِدِ الْإِنْسَانَ إِلَّا ابْنَ سَعْيِهِ = فَمَنْ كَانَ أَسْعَى كَانَ بِالْمَجْدِ أَجْدَرَا
وَبِالْهِمَّةِ الْعَلْيَاءِ يَرْقَى إِلَى الْعُلَا = فَمَنْ كَانَ أَرْقَى هِمَّةً كَانَ أَظْهَرَا
- يقول الله – عزَّ وجلَّ - : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الرعد : 11 ] ، إن الله لا يغيِّر واقع الإنسان من النعمة أو البؤس ، والعز أو الذل . . . إلخ ، إلا أن يغير الإنسان من إرادته ومشاعره وأعماله وواقع حياته ، فيغير الله ما به وَفْقَ ما صارت إليه نفسه وأعماله . وإن كان الله يعلم ما سيكون منه قبل أن يكون ؛ ولكن ما يقع على الإنسان يترتب على ما يكون منه ، ويجيء لاحقًا له في الزمان .
- النجاح يُبنى على قُوَّة الإرادة ، إرادة النجاح والفلاح ؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تَعجِز )) ؛ رواه مسلم ، فإياك والعجزَ ، وكما ضربوا في المثل : سأل الممكنُ المستحيلَ : أين تقيم ؟ فأجابه : في أحلام العاجز .
- الاعتماد على النفس أساس النجاح ، وعدم عقد مقارنات في النفس مع الآخرين ، خاصة من يظن المرء أنهم أفضل وأعلى وأكثر تميُّزًا ونجاحًا منه ، ولا يهتمُّ كثيرًا بنظرة الناس إليه ، ولا يسيء الظن بهم ، أو يسقط عليهم مخاوفه من الفشل .
- إذا حدث فشل في أمر مرَّةً أو أكثر من مرة ، فلا يَيْئَس المرء ، وليتأسَّ بقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - : (( وإنْ أصابَك شيءٌ ، فلا تقل : لو أنِّي فعلت ، كان كذا وكذا ، ولكن قل : قَدَرُ الله ، وما شاء فعل ؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان )) ؛ رواه مسلم .
ولا يفقد ثقته في نفسه ؛ بل يتعلَّم من التجربة ، ويأخذ العبر ، ويبحث عن أسباب الفشل حتى يعالجها .
- الفشل نوعان : هناك فشل سلبيٌّ وفشل إيجابيٌّ ، فلو اعتبرتَ أيَّ فشل أنَّه فرصة للتعلُّم منه ، وخبراتٌ تُكتسَب ، وإشارة للبحث عن أفكار جديدة ، فذلك فشل إيجابيٌّ عاقبتُه تقودك إلى مجالات جديدة ، ويُقرِّبُك من النجاح مستقبلاً ، أما إن أورثتك التجربة الفاشلة الاستسلام والتوقَّف عن المحاولة ، فذلك فشل سلبيٌّ .
- وأخيرًا : الفشلُ الحقيقيُّ هو الاستسلام للفشل ، فإذا وصفَ المرء نفسَه بـ " الفاشل " ، فأنَّى له أن ينتظر النجاح ؟! وكيف يتوقَّع أن يتقدَّم أو حتى مجرَّد أن يطمح بالتقدُّم ؟! فما على المرء إلا أن يواصل طريقه حتى تتحقَّق أحلامه وأهدافه وطموحاته، ولا يتوقَّف مهما واجهه من عثرات وإخفاقات وفشل ؛ بل عليه أن يتعلَّم الدروس من إخفاقاته، ولا يستسلم لشعور الإحباط ، ويكمل طريقه بثقة في النفس حتى يصل إلى النجاح .
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.