ثبت اسم الله تعالى ( الصمد ) في القرآن والسنَّة على سبيل الإطلاق ، مرادًا به العَلَمية ، ودالًّا على الوصفية ، والصَّمَدُ اسمٌ يدلُّ علي ذات الله وحدها بالتضمُّن ، وعلى صفة الصمدية المطلَقة بدلالة المطابقة ، ويدل باللزوم على صفات الأحدية ، والحياة ، والقيُّومية ، وكمال العلم ، والقدرة ، والعزة ، والقوة ، والحكمة ، والعظمة ، والعدل ، والحكم ، وكل ما يلزم لكمال الذات والصفات التي تحقِّق السُّؤْدَدَ في كلِّ شيء .
وقد ورد ( الصمد ) في القرآن الكريم في موضع واحد ، في سورة الإخلاص ؛ قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدْ * اللهُ الصَّمَدُ} .
أما في السنَّة ، فقد ورد في عدَّة مواضع ؛ منها ما ورد في الحديث القدسيِّ الذي رواه البخاريُّ : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم – قال : (( قال الله تعالى : كذَّبني ابنُ آدمَ ولم يكُن له ذلك ، وشَتَمني ولم يكن له ذلك ، فأَما تكذيبُهُ إيايَ فقوله : لن يعيدني كما بدأنِي ، وليس أوَّلُ الخلقِ بأَهونَ عليَّ من إعادته ، وأما شتمُهُ إيايَ فقولُه : اتَّخَذَ اللَّهُ ولدًا ، وأَنا الأَحدُ الصمدُ ، لم أَلِدْ ولم أُولَد ، ولم يكُن لي كُفوًا أحد )) ، فسمَّى الله تعالى نفسه بالصمد .
وروى البخاريُّ أيضًا : عن أبي سعيد الخدريِّ - رضي الله عنه – قال : قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم – لأصحابِهِ : (( أَيعجِزُ أحدُكم أن يقرَأَ ثُلثَ القرآن في ليلة ؟ فشقَّ ذلك عليهم ، وقالوا : أَيُّنا يُطيقُ ذلك يا رسول الله ؟ فقال: اللهُ الواحِدُ الصَّمَدُ ثُلث القرآن )) .
وروى مسلم : عن أبي هريرة قال : خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال : (( أقرأ عليكم ثلث القرآن )) ، فقرأ : { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ } ، حتى ختمها .
وروى الترمذيُّ من حديث أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لرَسُولِ الله : انْسُبُ لَنَا رَبَّكَ ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى : { قُلْ هُوَ الله أحَدٌ * الله الصَّمَدُ } ، فَالصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إلاّ سَيَمُوتُ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إلاّ سَيُورَثُ ، وإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لا يَمُوتُ ولاَ يُورَثُ { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ } ، قَالَ : لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلاَ عِدْلٌ ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ ، وكذلك رواه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وكذلك رواه أحمد في مسنده ، وقال الشيخ الألبانيُّ : حسن دون قوله : والصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ .
وفي السنن الكبرى للنسائيِّ من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول : يوشك الناس أن يتساءلوا بينهم حتى يقول قائلهم : هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله ؟ فإِذَا قالُوا ذَلِكَ فقُولُوا : الله أَحَدٌ * الله الصَّمَدُ * لَمْ يلِدِ وَلَمْ يُولَدْ وَلَم يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ، ثُمَّ لْيَتْفُلْ عن يَسَارِهِ ثَلاَثًا وَلْيَسْتَعِذْ مِنَ الشَّيْطَانِ ، رواه أبو داود وحسَّنه الشيخ الألبانيُّ .
وفي سنن النسائيِّ ، وصحَّحه الألبانيُّ من حديث حَنْظَلَة بْن عَلِيٍّ أَنَّ مِحْجَنَ بْنَ الأَدْرَعِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ المَسْجِدَ إذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ فَقَال َ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ .
وفي سنن ابن ماجه ، وصحَّحه الشيخ الألبانيُّ من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعَ النَّبِيُّ رَجُلاً يَقُولُ : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : (( لَقَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ )) .
إلى غير ذلك من الأحاديث .
ومعنى الصمد اللغويُّ : السيد المقصود ، الذي لا يُقضى أمر إلا بإذنه .
والصمد هو السيّدُ الذي انتهى سُؤدَدُه ، الذي له الصمدية المطلقة في كل شيء ، والله - سبحانه - هو السيد الذي لا سيِّدَ غيره ، فهو أحدٌ في ألوهيته ، والكل له عبيد ، وهو المقصود وحده بالحاجات ، المجيب وحده لأصحاب الحاجات ، وهو الذي يقضي في كل أمر بإذنه ، ولا يقضي أحد معه ، وهذه الصفة متحقِّقة ابتداءً من كونه الفرد الأحد .
قال الإمام البخاريُّ [ صحيح البخاريِّ ، ط الشعب ، ( 6/ 222 ) ] : " قَوْلُهُ : { اللهُ الصَّمَدُ } .
وَالعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا الصَّمَدَ ، قَالَ أَبُو وَائِلٍ : هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهَى سُؤدَدُهُ" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " مجموع الفتاوى ( 17/ 214 ) " : " وَالِاسْمُ ( الصَّمَدُ) فِيهِ لِلسَّلَفِ أَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ ، قَدْ يُظَنُّ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ بَلْ كُلُّهَا صَوَابٌ ، وَالْمَشْهُورُ مِنْهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ السَّيِّدُ الَّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ " .
وقال ابن الجَوزيِّ " زاد المسير في علم التفسير ( 4/ 506 ) " : " وفي ( الصمد ) أربعة أقوال : أحدها : أنه السيِّد الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج ، رواه ابن عباس عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - وروى عليُّ بنُ أبي طلحةَ عن ابن عباس قال : " الصَّمَد ُ: السّيّد الذي كمل في سؤدده " . وقال أبو عبيدة : هو السيد الذي ليس فوقه أحد . والعرب تسمِّي أشرافها : الصَّمد . قال الأسدي :
لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعي بِخَيْرَيْ بَني أَسَدْ = بعمرِو بنِ مَسْعودٍ وبالسَّيدِ الصَّمَدْ
وقال الزجَّاج: هو الذي ينتهي إليه السُّؤدد ، فقد صمد له كلُّ شيء ؛ أي : قصد قصده . وتأويل صمود كل شيء له : أن في كل شيء أثرَ صُنْعه . وقال ابن الأنباريِّ : لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد: السيد الذي ليس فوقه أحد تصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم .
والثاني : أنه الذي لا جوف له ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وابن جبير ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، والسّدِّيُّ . . . . والثالث : أنه الدائم . والرابع : الباقي بعد فناء الخلق ، حكاهما الخطابيُّ وقال : أصحُّ الوجوه الأول ؛ لأن الاشتقاق يشهد له ، فإن أصل الصمد : القصد . يقال : اصمد صمد فلان ؛ أي : اقصد قصده . فالصمد : السيد الذي يصمد إليه في الأمور ، ويقصد في الحوائج " .
وخالصة القول في معاني الصمد : أنه هو السيد الذي لا يكافئه من خلقه أحد ، والمستغني عن كل من سواه ، وكل من سواه مفتقر إليه ، معتمد عليه ، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله ، لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، ولا يوصف بصفته أحد ، وليس فوقه أحد ، الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم ، فأصمدت إليه الأمور ، فلم يقض فيها غيره ، هو المقصود إليه الرغائب ، والمستغاث به عند المصائب ، هو الذي لا جوف له ، وليست له أحشاء ، لا يدخل فيه شيء ، ولا يخرج منه شيء .
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.