تقع "فنزويلا" في الشمال الشرقي من قارة أمريكا الجنوبية، وتبلغ مساحتها 912 ألف كيلومتر مربع، ويحدها شمالاً البحر الكاريبي وغربًا "كولومبيا" وجنوبًا "البرازيل" وشرقًا "غويانا".
وتتجزأ "فنزويلا" إلى أربع مناطق جغرافية؛ وهي سهول "مركايبو" في الغرب، والمنطقة الجبلية في الشمال والشمال الغربي، وحوض نهر "الاورينوكو" في الجنوب والجنوب الشرقي، وهضاب "غيانة" على حدود "غويانا".
والمناخ استوائي عدا على الجبال؛ حيث يتسم بالاعتدال، وحيث تصل أعلى قمة إلى 5 آلاف متر فوق سطح البحر.
أكبر مدن "فنزويلا" هي عاصمتها "كاراكاس" تليها "مركايبو" و"بلنسية" و"باركويسميتو" و"مركاي"، و"فنزويلا" جمهورية اتحادية مكونة من 21ولاية ومقاطعتين وتُعدُّ اللغة الأسبانية هي اللغة الرسمية للبلاد.
لقد اكتشف "كريستوف كولومبوس" "فنزويلا" في رحلته الثالثة سنة 1498وكان سكانها من قبائل أصلية مختلفة يسكنون فوق البحيرات؛ فسمى الأسبان المنطقة "فنزويلا"، أو البندقية الصغيرة.
وأخذ الأسبان يحتلون المنطقة منذ سنة 1500، وبقيت "فنزويلا" مستعمرة أسبانية إلى أن قام المهاجرون الأسبان بثورة ضد بلادهم الأصلية بزعامة "سيمون بوليفار" سنة 1818 أدت إلى استقلال سنة 1821 في إطارل "كولمبيا" الكبرى، وفي سنة 1830انفصلت "فنزويلا" عن "كولمبيا" كجمهورية مستقلة.
وينص دستور سنة 1961على أن السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية الذي ينتخب كل خمس سنوات، أما السلطة التشريعية فهي في يد البرلمان المكون من مجلسين، مجلس الشيوخ مكون من 55عضوًا ومجلس النواب مكون من 213نائبًا كلهم منتخبون شعبيًا.
وكانت "فنزويلا" من أفقر جمهوريات جنوب أمريكا إلى أن اكتشف فيها البترول فأصبحت صادراتها من البترول من أعلى الصادرات في العالم، وأصبح دخل الفرد فيها يزيد عن الألف دولار في السنة وذلك في وقت مضى.
أما من الناحية العرقية، فإن 22 % من السكان من أصل أوروبي، بينما ثلث السكان خليط بين الأوروبيين والهنود الحمر الأصليين، وعشرهم أفريقي، و 2 % من السكان هنود حمر، ومعظم سكان البلاد نصارى كاثوليك.
لقد دخل المسلمون الأندلسيون إلى "فنزويلا" كما دخلوا إلى باقي المناطق وقضي عليهم كما حدث لإخوانهم في المناطق الأخرى، وبقي لهم تأثير يظهر من وقت لآخر أهمه إنتاج الكاتب الفنزويلي "دون رفائيل دونقالس" الذي وُلد سنة 1878، والذي كان يعتز بالعرب والمسلمين في كل مؤلفاته.
وأخذت الهجرة العربية من بلاد الشام تتجه إلى "فنزويلا" منذ أواخر القرن الماضي، وكان أكثر هؤلاء من النصارى، ومن بينهم بعض الأدباء الكبار مثل "جورج صيدح".
ولكن أكثر هؤلاء لا يهتمون بالعرب وقضاياهم، ويوجد منهم اليوم في "فنزويلا" الكثير، وهم من أصل لبناني والباقون من أصل سوري وفلسطيني، والكثير من هؤلاء مناصب هامة في الدولة وفي المجتمع.
وأتى من بين العرب بعض المسلمين إما مباشرة أو بعد هجرة مؤقتة إلى البلاد المجاورة، ليس هناك إحصاء رسمي للمسلمين في "فنزويلا"، ويقدر عدد المسلمين بحوالي ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة.
وإذا تناولنا وضع المسلمين في "فنزويلا" اليوم فنجد أنه يوجد في "فنزويلا" عدة جهات تقوم بنشر الدعوة في أوساط الجالية الإسلامية؛ ومن هذه الجهات المركز الإسلامي في "فنزويلا"، ويهتم بأمور المسلمين ومشاكلهم، ولكن يفتقد إلى أمور كثيرة؛ من ضعف في التنظيم وافتقار للدعم المادي، كما يوجد في هذا المركز مدرسة إسلامية تُعدُّ الوحيدة في المنطقة.
كما يوجد في العاصمة الفنزويلية "كراكاس" مسجد الشيخ "إبراهيم بن عبدالعزيز البراهيم" ويُعدُّ هذا المسجد معلمًا من المعالم الإسلامية في أمريكا اللاتينية، كما أنه يحتوي على أطول منارة في الأمريكيتين، ويحتوي أيضًا على مرافق كثيرة من فصول دراسية ومكاتب إدارية وصالة للألعاب الرياضية.
وقد كان لوجود مسجد الشيخ "إبراهيم بن عبدالعزيز البراهيم" في "فنزويلا" أثر ملموس على الجالية الإسلامية؛ حيث تقام فيه العديد من الدورات الشرعية والبرامج الدعوية، وكذلك تقام فيه دورات مستمرة لتعليم المسلمين الجدد بأمور دينهم.
كما أن المسجد يستقطب عددًا من الشباب عن طريق المناشط الرياضية التي تقام فيه، إلا أنه يبقى أن المسلمين في "فنزويلا" وبشكل عام يعانون مشاكل كثيرة؛ ومن أصعبها ضعف التبادل في جميع المجالات بين الدول الإسلامية والعربية من جهة، و"فنزويلا" من جهة أخرى، مما جعل المسلمين يعانون فقد الهوية.
ولكن إذا قارنا وضع الدعوة في "فنزويلا" قبل ما يزيد على ثلاثة أو أربعة عقود؛ فإننا نجد الفرق كبيرًا بين الماضي والواقع الحالي، ففي السابق كانت المساجد والمصليات قليلة جدًا وتكاد تكون معدومة، أما الآن فقد انتشرت المصليات والجمعيات الإسلامية في كثير من المدن الفنزويلية.
كما أن العمل الإسلامي في أمريكا اللاتينية قد زاد في الآونة الأخيرة، مما كان له أثر إيجابي على المسلمين في "فنزويلا".
ولكن يبقى أن كل جالية مسلمة في أي بلد من بلدان أمريكا اللاتينية تعاني مشاكل كثيرة، بعضها يكون همًا مشتركًا وعامًا بين هذه الجاليات الإسلامية في البلدان اللاتينية.
وبعض المشاكل والصعوبات قد تكون خاصة بكل جالية على حدة وإن من المشاكل التي تشترك فيها الجالية الإسلامية في "فنزويلا" مع غيرها من الجاليات الإسلامية في بلدان أمريكا اللاتينية ما يلي:
1- الضعف الشديد في التواصل بين المسلمين في "فنزويلا" من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى، هذا على مستوى الجالية الإسلامية وأيضًا الضعف الواضح في العلاقات بجميع أشكالها بين الحكومة الفنزويلية والدول الإسلامية، فالعلاقات في مجملها لا ترقى للمستوى المطلوب من الناحية السياسية والثقافية والإعلامية والتعليمية وغيرها.
هذا الفتور في العلاقات بين "فنزويلا" ودول العالم الإسلامي كان له أثر سلبي على وضع المسلمين في "فنزويلا".
2- البعد الجغرافي كان له آثار سلبية من غلاء في تذاكر السفر والشحن وغيرها، وهذا مما يعيق استمرارية التواصل سواء على مستوى المنظمات الخيرية أو مستوى الأفراد، فليس هناك خط طيران مباشر من أي دولة عربية إلى "فنزويلا" فلابد من المرور بإحدى الدول الأوروبية أو الأفريقية وهذا مما يزيد من مشقة السفر إلى "فنزويلا".
3- ذوبان كثير من أبناء المسلمين في المجتمع الفنزويلي؛ حيث إن كثيرًا منهم قد ضيع دينه ولغته، وهناك كثير من المسلمين قد تنصَّر أولادهم بسبب أن الأب نصراني أو الأم نصرانية، فلو كان المسلمون يهتمون بتقوية الروابط بينهم ويتزوجون من بعض لما حصلت مثل هذه المشكلة، وهناك مشاكل مشتركة بين الجاليات الإسلامية في أمريكا اللاتينية، وهي كثيرة لا يسع المجال لذكرها في هذا المقام سنذكرها إن شاء الله في مقال منفرد يشخص هذه المشاكل ويعالجها.
ومن المشاكل التي تعانيها الجالية الإسلامية في "فنزويلا" بشكل خاص ما يلي:
1- الانفلات الأمني التي تعانيه الحكومة الفنزويلية، فلقد ألقت هذه المشكلة بظلالها على الجالية الإسلامية فأثرت على العمل الدعوي في هذا البلد، وأيضًا جعلت الآخرين يعزفون عن إقامة المشاريع الدعوية في "فنزويلا"؛ وذلك بسبب الاضطراب الأمني الحاصل فيها، وفي نظري أن هذه المشكلة قد أثرت تأثيرًا كبيرًا على الجالية الإسلامية في "فنزويلا"، فأصبحت تحركات الجميع محدودة ومقيدة بمن فيهم المسلمون فعند إقامة أي مناشط دعوية في "كراكاس" تجد أن الحضور يعانون هذه المشكلة، وقد تكون عائقًا لمشاركتهم في كثير من المناشط الدعوية.
2- الوضع الاقتصادي المتدني حيث تنتشر البطالة ويكثر الفقر، مع أن "فنزويلا" عضو في منظمة الأوبك ومن أولى دول العالم التي كان لها السبق في إنتاج النفط، ولكن لكثرة المشاكل وتداخلها وانتشار الفساد الإداري تدهور الاقتصاد الفنزويلي مما أثر سلبًا على وضع المسلمين في "فنزويلا" وأعاقهم على المشاركة في كثير من المناشط الدعوية وذلك بسبب انشغالهم لتأمين حاجاتهم الضرورية.
التوصيات:
وللإسهام في علاج الكثير من المشاكل والعوائق التي تواجه الجالية الإسلامية في "فنزويلا" أطرح بعض التوصيات التي قد يكون لها الأثر إن شاء الله في تصحيح وضع الجالية وإيجاد بعض الحلول لما تعانيه الجالية من ضعف وارتباطها بدينها ولغتها:
1- ابتعاث الطلاب المسلمين من "فنزويلا" إلى الدول العربية، وتسهيل المنح الدراسية لهم لكي يتعلموا العلوم الشرعية والعربية، ويكون مصدر تأثير على مجتمعهم الذي يعيشون فيه.
2- إنشاء مدارس إسلامية في "فنزويلا"، وإعداد مناهج تتبع التعليم الرسمي في البلاد؛ لكي لا يعزف الآباء عن تدريس أولادهم في المدارس الإسلامية، فإذا كانت المدارس الإسلامية معترفًا بها فإن هذا يزيد إقبال أبناء الجالية عليها، وتضاف إلى هذه المناهج المواد الإسلامية ومواد اللغة العربية.
3- التواصل ما بين الدول العربية والإسلامية مع الجالية الإسلامية في "فنزويلا"، عن طريق المؤتمرات والمعارض الدولية وغيرها من صور التبادل الثقافي؛ مما يعزز الانتماء لدى الجالية المسلمة في "فنزويلا" لدينها ولغتها.
4- التركيز على ترجمة الكتب الإسلامية والأدبية للغة الأسبانية، وهذا مما يربطهم ويقوي صلتهم بالثقافة الإسلامية.
5- أن تهيأ معاهد لتدريب الدعاة في الدول الإسلامية، ويتم من خلالها تعريف بأحوال الجالية الإسلامية في "فنزويلا"؛ حيث يكون لدى الداعية معرفة تامة بأحوال الجالية لكي يكون التأثير عليهم قويًا وفعالاً في نفس الوقت.
6- وبما أننا في عصر الانتفاخ الإعلامي لذا كان لوسائل الإعلام في الدول الإسلامية دور كبير في مد جسور التواصل بين المسلمين والجالية الإسلامية في "فنزويلا"، عبر القنوات والإذاعات والمجلات والإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام الكثيرة.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.