كيف سيبدو العالم بعد جائحة فيروس كورونامقالات

عدة مؤلفين

هذا الوباء سيغيِّر العالم إلى الأبد ... 

سألنا 12 مفكرًا من رواد الفكر العالمي عن تنبؤاتهم... 

المشاركونجون ألين، نيكولاس بيرنز، لوري جاريت، ريتشارد نهاس، ججون إكنبرري، كيشور محبوباني، شيفشانكار مينون، روبين نيبليت، جوزيف إس نيو جر.، شانون كاونيل، كوري شايك، ستيفن إموالت

  • ترجمة:  رانية محسن
  • مراجعة:  مصطفى هندي
  • تحرير: سهام سايح

مثل سقوط جدار برلين أو انهيار بنك ليمان براذرز، فإنّ جائحة فيروس كورونا هي حدث  قصم ظهر العالم، ولا يسعنا أن  نتخيل عواقبه بعيدة المدى. لكن هناك قدر من التوقعات مؤكدة الحدوث: فكما أنّ هذا المرض قد أودى  بأرواح، وعطل أسواقًا، وكشف كفاءة حكومات (أو انعدامها)، فإنّه سيؤدي إلى تحولات دائمة في القوى السياسية والاقتصادية بطرق لن تظهر لنا إلا لاحقًا.

لمساعدتنا على فهم كيفية تغيَّر وجه الأرض بعد انقشاع هذه الأزمة، طلبت فورين بوليسي من 12 مفكرًا بارزًا من جميع أنحاء العالم أن يدلوا بتوقعاتهم عمّا سيحدث للنظام العالمي بعد الوباء.

 

  • عالم أقل انفتاحًا وازدهارًا وحريةً

ستيفن إموالت

هذا الوباء سيقوِّي الدولة ويعزز القومية. ستتخذ الحكومات بجميع أنواعها إجراءات طارئة لإدارة الأزمة، وبعد انتهائها لن يتخلى الكثيرون عن هذه السلطات الجديدة.

أيضًا سوف يزيد كوفيد-19 من سرعة تحول السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق، فقد كانت استجابة كوريا الجنوبية وسنغافورة هي الأمثل، وجاءت ردة فعل الصين جيدة بعد أخطاءها المبكرة، وبالمقارنة بهم فقد كانت الاستجابة في أوروبا وأمريكا بطيئة وعشوائية، مما زاد من تشويه هالة “صُنِعَ في الغرب”.

ما لن يتغير هو طبيعة التضارب المتجذرة في السياسات العالمية. لم تُنهِ الأوبئة السابقة التنافسَ بين القوى العظمى ولم تستهل حقبة جديدة من التعاون العالمي. إنّ الأوبئة السابقة – بما في ذلك وباء الإنفلونزا في عامي 1918- 1919 – لم يُنهِ تنافس القوى العظمى ولم يُبشر بعصر جديد من التعاون العالمي، وهكذا أيضًا كوفيد-19.

سوف نشهد تراجعًا إضافيًا للعولمة المتضخمة، حيث سيتطلع المواطنون إلى الحكومات الوطنية لحمايتهم، بينما ستسعى الدول والشركات للحد من نقاط ضعفها في المستقبل.

باختصار، سيخلق كوفيد-19 عالمًا أقل انفتاحًا وأقل ازدهارًا وأقل حرية. لم يكن الأمر ليؤول حتمًا إلى هذه النتيجة، لولا أن تزامن هذا الفيروس القاتل مع التخطيط غير الملائم والقيادة غير الكفء، ليضع البشرية على مسارٍ جديد ومثير للقلق.

 

  • نهاية العولمة كما نعرفها

روبن نيبليت

قد تكون جائحة فيروس كورونا هي القشة التي قصمت ظهر العولمة الاقتصادية. بعد أن أثارت القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين حفيظة الولايات المتحدة، عقد الحزبان الحاكمان فيها العزم على قطع الصين عن التكنولوجيا الفائقة وسحب الملكية الفكرية التي تمتلكها وحاولت الولايات المتحدة إجبار حلفائها على أن يحذو حذوها. إنّ الضغط المجتمعي والسياسي المتزايد لتحقيق خفض انبعاثات الكربون كان يثير الشكوك حول اعتماد العديد من الشركات على سلاسل التوريد لمسافات طويلة. الآن، يجبر كوفيد-19 الحكومات والشركات والمجتمعات على تعزيز قدرتها على التعامل لفترات ممتدة قادمة من العزل الذاتي- الاقتصادي.

في هذا السياق يبدو أنّه من غير المحتمل إلى حد كبير أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة للطرفين والتي ظهرت أوائل القرن الحادي والعشرين، فبدون حافز لحماية المكاسب المشتركة للتكامل الاقتصادي العالمي، فإنّ بنية الحكومات الاقتصادية العالمية التي أُنْشئت في القرن العشرين ستتدهور بسرعة، وسيتطلب الأمر عندئذٍ انضباطًا هائلاً للقادة السياسيين للحفاظ على التعاون الدولي وعدم التراجع إلى المنافسة الجيوسياسية العلنية.

إنّ إثباتهم لمواطنيهم أنّهم قادرون على إدارة أزمة كوفيد-19 سيضمن بعض رأس المال السياسي للقادة، ولكن أولئك الذين فشلوا سيجدون صعوبة في مقاومة إغراء إلقاء مسؤولية فشلهم على الآخرين.

 

  • عولمة أكثر تمحورًا حول الصين

كيشور محبوباني

لن تغيِّر جائحة كوفيد-19 أصول الاتجاهات الاقتصادية العالمية، بل ستزيد من سرعة هذا التغير الذي بدأ بالفعل: ألا وهو نقل مركزية العولمة من أمريكا إلى الصين.

لماذا سيستمر ويدوم هذا الاتجاه؟ لقد فقد الشعب الأمريكي ثقته بالعولمة والتجارة الدولية. اتفاقيات التجارة الحرة تسمَّمت، سواءً في وجود أو عدم وجود دونالد ترامب. وعلى الصعيد الآخر، لم تفقد الصين إيمانها، لماذا؟ لأسباب تاريخية عميقة. فالآن تعرف القيادة الصينية جيدًا أنّ عصور الذُّل التي عاشتها الصين منذ عام 1842 إلى عام 1949 كان نتيجة لتهاون قادتها وجهودهم غير المجدية لقطعها عن العالم. على النقيض من ذلك، فقد انتعشت اقتصاديًا في العقود القليلة الماضية نتيجة لمشاركتها العالمية. أيضًا شهد الشعب الصيني إحساسًا متناميًا بالثقة. فأضحوا يعتقدون أنّهم قادرون على المنافسة في أي مكان.

ونتيجة لذلك، كما أُوثق في كتابي الجديد، “هل فازت الصين ؟”، اعتقد أنّه أمام الولايات المتحدة خياران: إذا كان هدفها الأساسي هو الحفاظ على التفوق العالمي، فسيتعيّن عليها الانخراط في منافسة جيوسياسية خاسرة سياسيًا واقتصاديًا مع الصين؛ أما إذا كان هدف الولايات المتحدة هو تحسين رفاهة الشعب الأمريكي – الذي تدهورت حالته الاجتماعية – فعليها أن تتعاون مع الصين. والمستشار الحكيم يعلم أنّ التعاون هو الخيار الأفضل. ومع ذلك، نظرًا للبيئة السياسية الأمريكية المسمّمة تجاه الصين، فقد لا تسود المشورة الأكثر حكمة.

 

  • سوف تخرج الديمقراطيات من قوقعتها

جيجون إكنبيري

على المدى القصير، ستُغذي الأزمة مختلف التكتلات الحزبية الموجودة على الساحة الغربية في سجال الاستراتيجيات الكبرى. سوف يرى القوميون والمناهضون للعولمة، والصقور الصينية، وحتى القوميون الليبراليون، أدلة جديدة على ضرورة سيادة تياراتهم. وإذا أخذنا في الاعتبار ما سيحدث من أضرار اقتصادية وانهيار اجتماعي، فمن الصعب رؤية أي شيء آخر يحدث بخلاف تعزيز الاتجاهات القومية، وتنافس القوى العظمى، والفصل الاستراتيجي، وما شابه.

ولكن كما حدث في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، أيضًا قد يكون هناك تيار معاكس أبطأ، نوع من الأممية المتشددة المشابهة لتلك التي بدأها فرانكلين روزفلت وعدد قليل من رجال الدولة الآخرين قبل الحرب وأثناءها. أظهر انهيار الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن العشرين مدى تشابك المجتمعات الحديثة ومدى ضعفها تجاه ما أطلق عليه روزفلت “العدوى”. كانت الولايات المتحدة حينها مُعرضة لتهديد أقل من القوى العظمى الأخرى بالمقارنة بالقوى العميقة للحداثة. ما تكلم عنه روزفلت ورجال دولة آخرون كان نظامًا لما بعد الحرب من شأنه إعادة بناء نظام منفتح بأشكال جديدة من الحماية والقدرات لإدارة الترابط. الولايات المتحدة ببساطة لا تستطيع الاختباء داخل حدودها، ولكن العمل في نظام مفتوح بعد الحرب يتطلب وضع بنية تحتية عالمية للتعاون في شراكات متعددة.

لذا، فقد تعبُر الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية الأخرى خلال نفس هذه السلسلة من ردود الأفعال، مدفوعة بإحساس متنامي بالضعف. قد تكون الاستجابة أكثر قومية في البداية، ولكن على المدى الطويل، ستخرج الديمقراطيات من قوقعتها للعثور على نوع جديدٍ من الحماية القومية البراغماتية.

 

  • أرباح أقل، مع المزيد من الاستقرار

شانون كىأونيل

إنّ كوفيد-19 يقوِّض المبادئ الأساسية للصناعة العالمية. ستقوم الشركات الآن بإعادة التخطيط والتقليص لشركات التوريد التي تعمل على مراحل وفي بلدان متعددة، والتي تهيمن على الإنتاج اليوم.

تعرضت سلاسل شركات التوريد العالمية بالفعل لانتقادات اقتصادية، بسبب ارتفاع تكاليف العمالة الصينية، وبسبب الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، و أيضًا بسبب التقدم في مجال الروبوتات، والتشغيل الآلي، والطباعة ثلاثية الأبعاد.

وتعرضت كذلك لانتقادات سياسية، بسبب البطالة الكائنة والمتوقعة، خاصة في الاقتصادات الكبيرة. الآن كسر كوفيد-19 العديد من هذه الروابط: فقد أدى إغلاق المصانع في المناطق المنكوبة إلى حرمان جهات تصنيع أخرى من المخزون والمنتجات، بالإضافة إلى المستشفيات والصيدليات والمتاجر والأسواق ومَحالّ البيع بالتجزئة.

على الجانب الآخر من الجائحة، ستطالب مزيد من الشركات معرفة معلومات أكثر عن مصدر إمداداتها وستقايض الكفاءة في مقابل الفائض. وستتدخل الحكومات كذلك، لتجبر ما تعتبره صناعات استراتيجية على اتباع خطة للحفاظ على الاحتياطي المحلي. الربحية ستنخفض، لكن مستوى استقرار الإمدادات سيرتفع.

 

  • هذه الجائحة قد يكون لها فوائد

شيفشانكار مينون

مازلنا في البدايات، ولكن يظهر لنا ثلاثة أشياء. أولاً، ستغيِّر جائحة فيروس كورونا سياساتنا، سواء داخل الدول أو فيما بينها.  ستتحول السلطة إلى الحكومات – حتّى في المجتمعات الليبرالية. إنّ النجاح النسبي للحكومة في التغلب على الوباء وآثاره الاقتصادية سيؤدي إلى تفاقم أو تقليص القضايا الأمنية و الاستقطابات الآنية داخل المجتمعات. في كلتا الحالتين، ستعود السلطة للحكومة. تُظهر التجربة حتّى الآن أنّ السلطويين أو الشعبويين ليسوا الأفضل في التعامل مع الوباء. والواقع أنّ الدول التي استجابت في وقت مبكر وبنجاح، مثل كوريا وتايوان، كانت ديمقراطية – وليست تلك التي يديرها قادة شعبويون أو سلطويون.

ثانيًا، هذه ليست نهاية عالم مترابط. إنّ الوباء نفسه دليل على تكافلنا. ولكن في جميع الأنظمة السياسية، هناك بالفعل تحول إلى الداخل، وبحث عن الحكم الذاتي والتحكم في مصير الأفراد. نحن متجهون نحو عالم أكثر فقرًا وبخلاً وأصغر حجمًا.

أخيرًا، هناك بوادر أمل ووعي سليم. أخذت الهند زمام المبادرة لعقد مؤتمر عبر الفيديو يجمع قادة جنوب آسيا لصياغة استجابة إقليمية مشتركة في مواجهة الخطر. لو نجحت صدمة الوباء في جعلنا ندرك أنّ مصلحتنا الحقيقية تكمن في التعاون متعدد الأطراف بشأن القضايا العالمية الكبرى التي تواجهنا= فسيكون هذا الوباء قد حقق غاية مفيدة.

 

  • ستحتاج القوة الأمريكية إلى استراتيجية جديدة

جوزيف إسناي الابن

في عام 2017، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استراتيجية جديدة للأمن القومي ترتكز على تنافس القوى العظمى. أثبت كوفيد-19 أنّ هذه الاستراتيجية غير كافية. كما لخص ريتشارد دانزيج المشكلة في عام 2018: “إنّ تقنيات القرن الحادي والعشرين تتصف بالعالمية ليس فقط في توزيعها، ولكن أيضًا في عواقبها. يمكن أن تتسبب لنا الأمراض وأنظمة الذكاء الاصطناعي وفيروسات الكمبيوتر والإشعاعات التي قد يطلقها الآخرون بطريق الخطأ مشكلات كما تسببت لهم. يجب متابعة أنظمة إعداد التقارير المتفق عليها، والضوابط المشتركة، وخطط الطوارئ العامة، والمعايير، والمعاهدات كوسيلة لإدارة المخاطر المتعددة. “

حتى لو سادت الولايات المتحدة كقوة عظمى، فإنّها لا تستطيع حماية أمنها من خلال التصرف بمفردها. في حالة المخاطر المتعدية للأمم مثل كوفيد-19 وتغيرات المناخ لا يكفي استحضار التفوق الأمريكي على باقي الأمم. مفتاح النجاح هو معرفة أهمية الاستقواء بالآخرين. كل بلد يضع مصلحته الوطنية أولاً؛ السؤال المهم هو كيف يتم تحديد هذه المصلحة على نطاق واسعٍ أو ضيق. يُظهر كوفيد-19 أنّنا فشلنا في تعديل استراتيجيتنا مع هذا العالم الجديد.

 

  • سيكتب المُنتصرون التاريخ بعد كوفيد-19

جون ألين

وكما هو الحال دائمًا، التاريخ يكتبه “المنتصرون” على أزمة كوفيد-19. كل الدول والأفراد تعاني من الإجهاد المجتمعي لهذا المرض بطرق جديدة وشديدة. حتمًا، ستدِّعي تلك الدول المُثابِرة – سواءً من خلال نظمها السياسية والاقتصادية الفريدة، أو من منظور الصحة العامة- النجاحَ والتفوق على أولئك الذين يعانون من نتائج مختلفة أو كانوا أكثر تضررًا. بالنسبة للبعض، سيظهر هذا على أنّه انتصار كبير ونهائي للديمقراطية، وبالنسبة لآخرين ستظهر لهم “الفوائد” الواضحة للحكم الاستبدادي.

في كلتا الحالتين، ستقوم هذه الأزمة بتعديل هيكل القوى الدولية بطرق لا يمكننا أن نتخيلها. سوف تستمر أزمة كوفيد-19 في خفض النشاط الاقتصادي وزيادة التوتر بين البلدان. على المدى الطويل، من المرجَّح أن يقلِّل الوباء بشكل كبير من القدرة الإنتاجية للاقتصاد العالمي، خاصة إذا أغلقت الشركات وفُصِلت القوى العاملة. إن هذا التفكك ستكون له تبعات كبيرة بشكل خاص على الدول النامية أو التي لديها نسبة كبيرة من العمالة المعرضة للبطالة. وسيتعرض النظام الدولي بدوره لضغوط كبيرة، مما سيؤدي إلى عدم الاستقرار وحدوث نزاع واسع النطاق داخل البلدان وعبرها.

 

  • مرحلة جديدة مثيرة للرأسمالية العالمية

لوري جاريت

الصدمة الرئيسية للنظام المالي والاقتصادي العالمي هي الاعتراف بأنّ سلاسل شركات التوريد وشبكات التوزيع العالمية معرضة بشدة للضرر. وبالتالي، لن يكون لجائحة فيروس كورونا آثار اقتصادية طويلة المدى فحسب، بل ستؤدي إلى تغيُّرات أكثر جوهرية. سمحت العولمة للشركات بالزراعة والتصنيع في جميع أنحاء العالم وتسليم منتجاتها إلى الأسواق في وقت قصير، متجاوزة تكاليف التخزين. ووصفت البضائع التي بقيت على الرفوف لأكثر من بضعة أيام بالركود. البضائع كانت تحدد مصادرها و تشحن بتنسيق كبير وعناية فائقة. لكن كوفيد-19 أثبت أنّ مسببات الأمراض لا تصيب الناس فحسب، بل تسمِّم أنظمة بالكامل.

وبالتالي، لن يكون لوباء فيروس كورونا آثار اقتصادية طويلة الأمد فقط، بل سيؤدي إلى تغييرات أكثر جوهرية. وبالنظر إلى حجم الخسائر في السوق المالية والتي عانى منها العالم منذ فبراير، فمن المرجح أن تخرج الشركات من هذه الجائحة مصدومة بنظام “التسليم في الميعاد” وإنتاجيتها المنتشرة عالميًا. يمكن أن تكون النتيجة مرحلة جديدة دراماتيكية في الرأسمالية العالمية، حيث سيتم تحجيم سلاسل شركات التوريد إلى مجال ضيق ليوفر لها الحماية من الاضطرابات المستقبلية. قد يقلِّل ذلك من أرباح الشركات على المدى القريب ولكنّه يجعل النظام بأكمله أكثر مرونة.

 

  • المزيد من الدول الفاشلة

ريتشارد إنهاس

أنا لست من المغرمين بكلمة “طويل المدى”، لا أكثر ولا أقل، لكنني أعتقد أنّ أزمة فيروس كورونا ستجعل الحكومات تحوِّل اهتمامها إلى الداخل على الأقل لبضعة سنوات قادمة، و التركيز على ما يحدث داخل حدودها بدلاً مما يحدث خارجها. أتوقع تحركات أكبر نحو الاكتفاء الذاتي الانتقائي (ونتيجة لذلك الفصل) ستضعف سلاسل شركات التوريد؛ وستتعالى الأصوات المعارضة للهجرة على نطاق أوسع؛ وستنخفض الرغبة والالتزام في معالجة المشكلات الإقليمية والعالمية (بما في ذلك تغيُّر المناخ) نظرًا للحاجة المتصورة لتكريس الموارد لإعادة بناء الداخل والتعامل مع العواقب الاقتصادية للأزمة.

أتوقع أن تجد العديد من البلدان صعوبة في التعافي من الأزمة وسط ضعف الحكومات وانتشار سمة الفشل في دول العالم. من المرجح أن تساهم الأزمة في استمرار تدهور العلاقات الصينية-الأمريكية وضعف التعاون الأوروبي. على الجانب الإيجابي، يجب أن نرى بعض الجهود لتعزيز إدارات الصحة العامة العالمية. و بشكل عام، فإنّ الأزمة المتأصلة في العولمة ستضعف بدلاً من أن تزيد من رغبة العالم وقدرته على التعامل معها.

 

  • لقد فشلت الولايات المتحدة في اختبار القيادة

كوري شاك

لن يُنظر إلى الولايات المتحدة بعد الآن كقائدة دولية بسبب سياسة حكومتها التي تتمحور حول المصلحة الذاتية الضيقة وبسبب فداحة نقص الكفاءة. كان من الممكن تخفيف الآثار العالمية لهذا الوباء إلى حد كبير إذا قامت المنظمات الدولية بتقديم مزيد من المعلومات المبكرة، الأمر الذي كان سيعطي الحكومات الوقت الكافي لإعداد وتوجيه الموارد إلى حيث تشتد الحاجة إليها. كان يمكن للولايات المتحدة أن تنظم هذه العملية، لتوضح  أنّه على الرغم من أنّها تهتم بمصلحتها الذاتية، إلا أنّها لا تهتم بها وحدها فقط. لقد فشلت واشنطن في اختبار القيادة، والعالم في أسوأ حال.

 

  • في كل بلد، نرى قوة النفس البشرية

نيكولاس بيرنز

إنّ جائحة كوفيد-19 هي أكبر أزمة عالمية في هذا القرن. فعمقُها وحجمها هائل. وتهدد الأزمة صحة الـ 7.8 مليار شخص على وجه الأرض. يمكن للأزمة المالية والاقتصادية الحادثة من جرائها أن تتجاوز في تأثيرها الركود الكبير الذي حدث في الأعوام 2008-2009. كلُّ أزمة من تلك الأزمات تستطيع بمفردها أن تشكل صدمة زلزالية تغير بشكل دائم النظام الدولي وتوازن القوى كما نعرفه.

حتى الآن، كان التعاون الدولي غير كافٍ على الإطلاق. إن لم تتخلى الولايات المتحدة والصين -أقوى دولتين في العالم- عن حرب تراشق الكلمات حول أيّهما مسؤول عن الأزمة أو قيادتها بفعالية أكبر، قد تتضاءل مصداقية البلدين بشكل كبير. إذا لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من تقديم المزيد من المساعدات الموجهة إلى 500 مليون مواطن، قد تسترد الحكومات الوطنية المزيد من السلطة من بروكسل في المستقبل. في الولايات المتحدة، فإنّ الحكومة الفيدرالية في مأزق، نظرًا لعدم القدرة على توفير تدابير فعالة لوقف الأزمة.

ومع ذلك، في كل بلد، هناك العديد من الأمثلة على قوة النفس الإنسانية – للأطباء والممرضات والقادة السياسيين والمواطنين العاديين الذين يُظهرون المرونة والفعالية والقيادة. وهذا يعطي الأمل في أنّ الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم يمكن أن يتغلبوا على هذا التَّحدي الاستثنائي.

 

اقرأ ايضاً: رؤية شرعية حول التزاحم على الموارد الطبّية (COVID-19)


المشاركون في التحليل:

  • جون ألين هو رئيس معهد بروكينغز، وهو جنرال متقاعد من مشاة البحرية الأمريكية يتقلد أربع نجوم، والقائد السابق لقوات الأمن الدولية التابعة لحلف الناتو والقوات الأمريكية في أفغانستان.
  • نيكولاس بيرنز أستاذ بكلية هارفارد كندي الحكومية، ونائب وزير الشؤون السياسية السابق بوزارة الخارجية الأمريكية.
  • لوري جاريت زميل أول سابق للصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية وكاتب عالمي حائز على جائزة بوليتزر.
  • ريتشارد هاس هو رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب “عالم في حالة فوضى: السياسة الخارجية الأمريكية وأزمة النظام القديم”.
  • كيشور محبوباني، زميل أول في معهد آسيا للبحوث بجامعة سنغافورة الوطنية، ومؤلف كتاب “هل فازت الصين؟” التحدي الصيني لأسبقية أمريكا.
  • شيفشانكار مينون هو زميل أول في جامعة بروكينز بالهند، ومستشار سابق للأمن القومي لرئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ.
  • روبن نيبليت هو المدير والرئيس التنفيذي لشركة شاتام هاوس.
  • جوزيف إس. ناي الإبن هو أستاذ أول بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب “هل تشكل الأخلاق فارقا؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من عهد روزفلت إلى ترامب”.
  • كوري شاك هو نائب المدير العام للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
  • ستيفن إم. والت هو أستاذ كرسي روبرت ورينيه بيلفر في العلاقات الدولية بجامعة هارفارد.