موضة الإلحادمقالات

ياسر مصطفى يوسف

هناك موضة الثياب الغريبة التصاميم المتنافرة الألوان، وهناك موضة قصات الشعر الباعثة على الضحك والاستغراب، وأضافوا لها اليوم موضة جديدة هي موضة الإلحاد ...

وهل الإلحاد بالله عز وجل موضة؟ وهل إنكار المسلَّمات والثوابت واليقينيات في الدين صرعة من صرعات الموضة؟ أقول وبكل أسف: نعم، هم جعلوها كذلك...

هكذا بدأ كلامه الأستاذ ياسر مصطفى يوسف في مقال بعنوان: موضة الإلحاد.

قال: والإلحاد هو إنكار وجود الله تعالى ورفض الدين بكل ما فيه من أوامر ونواه ، وكان الإلحاد بالأمس يصدر عن رجل يقرأ دون وعي، ويتعمق في العلم على غير هدى من شيخ أو مدرسة ... حتى يَزِلَّ في مستنقع الإلحاد لاحقاً.

أما اليوم - ويح اليوم - فإن الشاب الذي لا يقيم لسانه بجملة من العربية ، والبنت التي لا تجيد قراءة سطر من كتاب ربها ، والعامي الذي لا يعرف كوعه من بوعه أو كرسوعه ، يخرج على أهله، على صحبه، على مجموعته الوثابية، في اليوم التالي ليقول لهم : أنا يا جماعة ملحد، باركوا لي صرت ملحداً!

قد لا يقولها بصريح العبارة، ولكنه يجاهر برأيه دون خجل أو وجل ... ودون أن يجد ما يردعه عن ضلالاته من ترهاته من عقل أو دين أو أدب.

وهذه ظاهرة خطيرة، وأزمة دينية واجتماعية بدت تلوح اليوم في الأفق، بل تحولت من ظاهرة إلى آفة، وصورة طبيعية تعايشها بعض المجتمعات .

وأضاف: لا بد أن نحذرها ونحذّر أبناءنا منها، ونحصنهم من أن يصيبهم رشاشها..

وذكر أن أهم نقطة يُدخل من خلالها على أبنائنا هي طرح التساؤلات حول كل شيء من حولك، وأنه لا توجد ثمة خطوط حمراء ... فكل شيء قابل للدراسة والتشكيك والرد والرفض ... وأنه لا توجد قطعيات ولا مسلمات مهما عظمت ولو كانت قضية وجود الله تعالى .

وأن ابرز الأسباب الدافعة إلى الوقوع في الإلحاد هي الأسباب النفسية ، فقد يمر المرء بحالة نفسية عصيبة من فقد حبيب، أو تعرض لمرض، أو تأخر في دراسة، وإذا لم يكن له من إيمانه بالله عاصم انزلق إلى مهاوي الإلحاد .

كما أن وسائل الإعلام العالمية – لا على التعيين – تلعب دوراً هاماً من خلال بث أفلام خيالية أو علمية تضع عبرها السم في الدسم .

وحتى الأفلام الكرتونية تسرب إلى أولادنا صوراً قابلة للتحلل في عقولهم ونفوسهم وقلوبهم فيما بعد.

وبرغم خطورة الإلحاد، إلا أنه أوهى شأناً من بيت العنكبوت، فقط أنت بحاجة إلى أسلوب وبيان ء وعقل في الرد على شبهاته وتوجيه الواقعين في أتونه توجيهاً عقلياً رشيداً.

اتفق مرة بعض الملاحدة مع أبي حنيفة على الجلوس للمناظرة حول وجود الله عز وجل ، وكان مكان المناظرة في القسم الثاني من مدينة بغداد التي يقسمها نهر دجلة إلى قسمين هما الكرخ والرصافة .

ولما كان يوم المناظرة تأخر أبو حنيفة عن الموعد وحضر بعد لأي ، قالوا له: أين كنت؟ ظننا أنك هربت من المناظرة ، قال: لا ، ولكني لم أجد سفينة تقلني إليكم ، وبينما أنا أنتظر سفينة إذا بألواح تجتمع إلى بعضها البعض وتأتي مسامير فتدقها جنباً لجنب فتصنع منها سفينة ركبتها إليكم قالوا : هذا لا يكون ؟ سفينة تكوِّن نفسها بنفسها ... لا بد لها من نجار ... لا بد لها من صانع ... قال : فكيف لا تؤمنون أن وراء هذا الكون العجيب المدهش إلهاً عظيماً وصانعاً مبدعاً ، وتقولون : إنها الطبيعة .

 [أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ(7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(8) ]. {الشعراء}. 

جَاءَ أُبي بْنُ خَلَفٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ عَظْمٌ رَمِيمٌ وَهُوَ يُفَتِّتُه وَيُذْرِيهِ فِي الْهَوَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ هَذَا؟ فَقَالَ: "نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ يَبْعَثُكَ، ثُمَّ يَحْشُرُكَ إِلَى النَّارِ". وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ "يس": {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} ، إِلَى آخِرِهِنَّ.

والإلحاد أمر يخالف الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها ، ويخالف مقتضيات العقل السليم .

يحكون أن مدرساً ملحداً أراد أن يبث في تلاميذه الصغار سمومه ، فدخل عليها من بابة أن ما كل أراه فهو موجود وما لا فلا ، وضرب لهم أمثلة بأشياء من حولهم كاللوح والقلم والباب والكتاب ، ثم قال : يقولون : إن الله موجود فهل ترونه؟، فقال الأولاد: لا ، قال: إذن الله غير موجود ، فقام طالب صغير من آخر الفصل فقال : أستاذ أستأذنك أن أعيد الدرس، قال : هات ، فأعاد مقالة الأستاذ ثم قال: إن الأستاذ يقول: إن له عقلاً فهل ترونه يا زملائي؟ قالوا : لا قال: إذن لا عقل للأستاذ؛ فضج الصف بالتصفيق والتصفير .

إنها الفطرة التي ترفض رفضاً قاطعاً كل ما يهدد صفاءها ورونقها.

وأشار الكاتب إلى إن خطر الإلحاد يتهدد أسرنا بشكل مباشر ، وأن علينا أن نقاومه بالإيمان أولاً ، ثم بالعلم القوي ثانياً ، ثم بالتربية الإسلامية الراشدة ثالثاً ، وألا نترك لأبنائنا الحبل على غاربه ، فتطوحهم الهواتف يمنة ويسرة ...

ونصح قائلًا: أيها المسلم والمؤمن الحريص على أبنائه، إن أصاب ولدك شيء من رشاش الإلحاد فليس الحل في ضربه، ولا في طرده، ولا في تسفيه عقله ، ولا في قمعه ، بل في مناقشته ، فالفكر يعالج بالفكر ، والقوة تعالج بالقوة ، ولا يعالج الفكر بالقوة ، فهي لا تستطيع أن تنهيه ، إذ ريثما يعود بعد مدة .

 

موقع رابطة العلماء السوريين 24/5/1441 هـ