النحلة الشيطانية (عبادة الشيطان)مقالات

محمد بن حسن المبارك

عرض مختصر لمقالة الكاتب محمد بن حسن المبارك، التي يلقي فيها أضواءً كاشفة على هذه النحلة المنحرفة، ذاتِ المعتقدات الخطيرة، عَبر سردٍ تاريخي لأهم مراحلها.

عبادة الشياطين قديمة قِدَم الشرك، وقِدَم الديانات الوثنية نفسِها، فقد كانت موجودة منذ تحوَّل الناس عن الدين الذي نزل به آدم عليه السلام، إلى الشرك.

وعبادة الشياطين لها جذور في معظم الحضارات القديمة، والتي كانت في الغالب حضارات وثنية، حيث تتطلب الممارسات الوثنية ومن الكهنة طقوساً سحرية خاصةً تقدم لعالم "الأرواح الشريرة" للاستعانة بهم في تحقيق مرادات الكهنة ومرتاديهم.

أمَّا بالنسبة إلى عبادة إبليس نفسه لكونه رمزاً لغلَبة الشر المَحض، فقد أشار القرآن الكريم إلى عبادة الشيطان في عدة مواضع، مثل قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.

ومن أقدم ما ذكر في تاريخ هذه النحلة الشيطانية:

- ما كان في بابل وآشور، حيث تذكر الأساطير البابلية والآشورية أن هناك آلهة للنور وآلهة للشر، وأنهما كانا في صراع دائم.

- ويبدو أن البداية المعتمدة أو الجذور المعروفة لهذه الديانة ترجع إلى أرض فارس، حيث بدأت عبادة شياطين الليل المفزعة، ثم تطورت لتعبر عن مطلق الشر، ثم تطورت مرةً أخرى لتعبر عن الشر بالظلمة، والخير بالنور، من خلال العقائد الثنوية التي كانت تؤمن بإلهين. وتقوم سلسلة الديانات الفارسية الثنوية على معتقد أن العالم مركب من أصلين اثنين قديمين، أحدهما النور، والآخر الظلمة، ومن الديانات الثنوية الزرادشتية والمزدكية، وكذلك المجوسية التي تعبد النار بصفتها معدن الشيطان وأصله.

- وكان لدى الفراعنة كما تشير الكتب إلهان، الأول إله الخير وهو ما يعرف بأوزريس، والآخر إله الشر ويعرف بست - وأحياناً يسمى ساتان - وكان المصريون يقدمون له القرابين اتقاءً لشره، وكلاهما كان مقدساً لديهم.

- وكذلك الهنود كان لديهم أكثر من آلهة، من ضمنها إله الشر المعروف بشو، وكان للشيطان دور كبير في حياتهم الدينية، حيث عبروا عنه باسم الراكشا.

- كما انتشرت فكرة عبادة الشيطان داخل الطائفة اليزيدية التي تعبد إلهين: واحداً للخير وآخر للشر، ويعتذر اليزيديون عن ذلك بزعمهم أنهم يعبدون الله وحده، بينما يقدسون الشيطان "طاووس ملك" خوفاً منه لا إيماناً بربوبيته!

- كما ظهرت في العصر العباسي: المقنعة والخرمية، ولوحظ منذ بداياته ارتباطها منذ البداية بالمجوسية والزردشتية.

- كما ظهرت عبادة الشيطان في طائفة (الصابئة).

- كما انتشرت فكرة عبادة الشيطان من خلال بعض الأفكار الغنوصية التي صاحبت انتشار المسيحية في أوروبا، والتي ترى العالم أنه في الحقيقة هو الجحيم المطلق، وهم يعتبرون أن كل القصص التي تتحدث عن الخلق في الديانات السماوية مغلوطة.

- كما ظلت نحلة البيوجوميل (النحلة الشيطانية) غالبة على عشائر البلغار والبلقان لعدة قرون.

ويرجع البعض أسباب شيوع هذه النحل الشيطانية في الفترة التي كانت المسيحية في توهجها الأول إلى موقف المسيحية نفسها من تعظيم قدرات الشيطان، بالإضافة إلى انتشار المظالم الاجتماعية.

- أمَّا في القرون الوسطى، فظهرت جماعة "فرسان الهيكل" في فرنسا، وكان لها اجتماعات ليلية مغلقة تبتهل فيها للشيطان. وكان فرسان الهيكل يتميزون بلبس قميص أسود يسمونه "الكميسية"، وقد انتشرت هذه الجماعة في فرنسا وإنجلترا والنمسا، ثم اكتشفتها الكنيسة، وقامت بحرق مجموعة من أتباعها.

ـ وفي القرن الرابع عشر أيضاً ـ حين انتشر الطاعون في أوروبا وقتل ثلث سكانها ـ ارتد عدد كبير عن المسيحية وعبدوا الشيطان بدعوى أنه اغتصب مملكة السماء، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ}.

- في سنة 1770، أسس الألماني آدم وايزهاويت مذهباً باسم "النورانيين" أو "حملة النور الشيطاني"، وقد أغلقت حكومة بافاريا محافل هذا المذهب سنة 1785، وحظرت أي نشاط لها، ثم اختفت هذه الأفكار لتعاود الظهور في منتصف الأربعينات من القرن العشرين.

- وظلت طوائف الشيطان في دائرة الظل حتى تم الاعتراف بها - لأول مرة - بشكل رسمي وعلني في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1966، وذلك حين تحولت أول كنيسة إلى عبادة الشيطان في سان فرانسيسكو تحت حماية قانون كاليفورنيا لحرية الأديان.

- وفي السنوات التالية تشكلت أعداد أخرى من الكنائس «الإبليسية» واتخذت شعارات مضادة لعبارات الانجيل؛ فعلى سبيل المثال: بدلًا من قولهم: «طوبى للضعفاء سيرثون الأرض» هناك: «طوبى للأقوياء سيدمرون العالم».

- وهناك طوائف وجمعيات لا تحصى لممارسة السحر الأسود والشعوذة الشيطانية - أكبرها بزعامة امرأة تدعى "سيجل ليبك".

- وفي المدن الأمريكية مكتبات ومراكز متخصصة لتزويد الجمهور بما يحتاجونه لعبادة الشيطان وممارسة السحر والاتصال بالجان. فهناك مثلا محلات نيو إيجز، التي تبيع كل ماله علاقة بالسحر والشعوذة وعبادة إبليس.

- ويعتبر المركز الميتافيزيقي في سان فرانسيسكو من أكبر المراكز المتخصصة في عبادة الشيطان، ويحقق شهريًّا أكثر من 200,000 دولار نظير بيع وتأجير «المراجع الروحية» وبيع التعاويذ والأبخرة والأعشاب والكرات البلورية!

- ومؤخراً بدأت هذه الممارسات تزدهر علناً في دول أوروبية كثيرة، ففي إنجلترا مثلًا هناك تسعة ملايين شخص ينتمون إلى كنائس الشيطان، ومثلهم تقريباً في ألمانيا وإيطاليا. وفي فرنسا هناك مجلة وبرنامج خاص لعبدة الشيطان تقدمه عرافة تدعى مدام سولي، وفي سويسرا وإيطاليا والنمسا يمارس آلاف الأشخاص بانتظام ما يسمى بالقداس الأسود عند اكتمال البدر.