عَرفت قارة إفريقيا الإسلامَ بعد خمس سنوات فقط من البعثة النبوية، وقبل الهجرة إلى المدينة المنورة بنحو ثمان سنوات، حيث هاجر الصحابة – رضوان الله عليهم – هجرتهم الأولى إلى الحبشة في العام الخامس للبعثة النبوية، ثم امتدت الفتوحات إلى مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم جنوبًا إلى السودان وغربًا إلى شمال إفريقيا، وبمرور الوقت انتشر نور الإسلام في أرجاء القارة عن طريق القوافل التجارية عبر ممرات الصحراء كما انتشر عن طريق المرابطين وعبر الممالك الإسلامية التي ظهرت في إفريقيا.
وفي القرون المتأخرة عرفت القارة ظاهرة جديدة عليها تُعرف بالتنصير، وهي حركة بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بُغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة، ومنذ القرن الخامس عشر تحديدا، وخلال الاكتشافات البرتغالية دخل المنصرون الكاثوليك إلى إفريقيا، وبعد ذلك ترددت الإرساليات التنصيرية البروتستانتية من بريطانيا وفرنسا وألمانيا على الدول الإفريقية.
وبعد الغزو العسكري الاستعماري لإفريقيا في القرنين التاسع عشر والعشرين اتجه الغربيون للغزو الفكري والثقافي والإعلامي، وأصبح الفاتيكان يعتمد على الغزو العسكري والفكري ليمهد له الطريق أولًا، ثم تدخل الكنائس لتجد الجو مهيأً لها للعمل وسط الفقراء.
سبب تركيز جهود التنصير على إفريقيا:
لم يأت اهتمام المنصرين بإفريقيا من فراغ؛ فهي القارة الوحيدة التي يمكن تسميتها بالقارة المسلمة من بين قارات العالم، وكل شيء يشير إلى أن الإسلام هو دين المستقبل في هذه القارة، كما أن حاضر القارة يشهد واقعًا إسلاميًّا ملموسًا تنطق به حقائق عديدة، منها أن قرابة 70% من المجتمع العربي المسلم في إفريقيا، وأن 75 % من الأراضي العربية الإسلامية موجودة في هذه القارة، وأكثر من 60% من مجموع سكان إفريقيا مسلمون، فيما تشهد الدعوة الإسلامية صدًى وتجاوبًا واسعًا لدى الأفارقة.
أسماء وتواريخ في مسيرة النشاط التنصيري بإفريقيا:
- من أوائل قادة حملات التنصير: الإسباني «ريمون لول» في القرن السادس عشر، الذي تعلم اللغة العربية، وجال في بلاد المسلمين ليدرك نقاط ضعفهم بحثا عن وسائل إغرائهم وإغوائهم.
- ثم جاء من بعده الألماني «بيتر هلينج» الذي احتك بالمسلمين في سواحل إفريقية، وتنصر على يديه سنة 1721 م عشرات الآلاف من الأفارقة.
وفي عام (1795) م، تأسَّست جمعية لندن التبشيرية، وتبعتها أخريات في إسكوتلاندا ونيويورك وألمانيا وغيرها.
وفي عام 1804 بدأت الكنيسة البروتستانتية بتركيز اهتمامها على نشر مخططات التنصير في غرب إفريقيا وبدأت بمنطقة النيجر.
- صموئيل زويمر: رئيس جمعيات للتنصير، ويتولى إدارة مجلة أسماها بـ«العالم الإسلامي» وأنشأها سنة 1911م، ومنذ عام 1894م، قدَّمت له الكنيسة الأمريكية دعمها الكامل، وكان يقول إن قارة إفريقيا يوجد فيها مجال فسيح للتبشير وفيها أراضٍ خصبة لم تنتشر فيها المسيحية بعد.
- «جمعية تبشير شمال إفريقيا»، قامت بمحاولات نشر التنصير في الجزائر وتونس والمغرب، وبدؤوا عملهم في الجزائر عام 1846م.
- لويس ماسينيون: قام على رعاية التنصير في مصر، وشغل منصب مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال إفريقيا.
التنصير في الجزائر:
منذ الوهلة الأولى لنزول الفرنسيين للجزائر نقضوا معاهدة الاستسلام التي وقعها معهم الداي حسين، ولم يمض شهران فقط على هذا التعهد حتى أصدر «دوبرمون» مرسومًا يوم 8 سبتمبر 1830م يقضي بمصادرة الأوقاف الإسلامية والاستيلاء عليها، وبعد ذلك أخذت القوات الفرنسية بدعم من الكنيسة إجراءات قمعية شتى في الحرب على الدين واللغة والتاريخ، وبعد مرور أقل من 15 سنة من الاحتلال الفرنسي، تأسست الجمعية الأدبية الدينية للقس أوغسطين عام 1844م وكان من أهدافها تنصير المسلمين ومواجهة التأثير الإسلامي على بعض الأوروبيين عن طريق نشر كتابات أوغسطين والقس سبريان.
واستغل المنصرون تردي أحوال المجتمع الجزائري تحت الاحتلال، فقام القس بريمولت بإنشاء مركز للأطفال المشردين في «بوفاريك» وآخر في «ابن عكنون» سنة 1843م، ونتيجة لإهمال الخدمات الصحية، حلّ مرض الكوليرا على الشعب الجزائري وحلّت مع المرض الإرساليات التنصيرية وعلى رأسها «البارون أوغسطين دوفيالار» الذي كانت له جهود واسعة في تقديم فرنسا المسيحية تحت لافتة الأعمال الخيرية المقدمة إلى مسلمي الجزائر.
وقد قام الكاردينال الفرنسي «شارل مارسال ألمان لافيجري» بجهود في تنصير الأطفال الجياع، وعندما فشل في تحقيق هدفه صرح: «يجب إنقاذ هذا الشعب، وينبغي الإعراض عن هفوات الماضي، ولا يمكن أن يبقى محصورًا في قرآنه.. يجب أن تسمح فرنسا بأن يقدم له الإنجيل، أو تطرده إلى الصحاري بعيدًا عن العالم المتمدن»، ثم قام بإنشاء فرقة تسمى «فرقة الآباء البيض» سنة 1869م وهذه الفرقة هي التي ستأخذ على عاتقها مهمة تنصير الجزائر أولًا، ثم تونس والمغرب ثانيًا، ثم إفريقيا أخيرًا، وإعادة أمجاد الكنيسة الإفريقية!
التنصير في تونس:
ذهب المنصر «لافيجري» إلى تونس ليضع أسس كاتدرائية تونس سنة 1884، ومن يومها وجد المنصرون في تونس ساحة يرتعون فيها في ظل الاحتلال الفرنسي، وبعد الاستقلال في مارس 1956، لم يعد للأقليَّة المسيحية وجود يُذكَر، بعد أن غادر المستوطنون الأوروبيون المنطقة.
غير أن نشاط الوافدين الأجانب من أجل التنصير عاد مجددًا بعد ذلك شيئًا فشيئًا حتى زاد عدد المسيحيين في أعقاب نقل مكاتب البنك الإفريقي للتنمية إلى تونس مؤقتًا من أبيدجان في سنة 2003، وشكل مجيء أعداد كبيرة من الأفارقة المعتنقين للدِّين المسيحي مناسَبةً لمعاودة تنشيط الكنائس التي كانت مغلقة.
التنصير في مالي:
انطلقت حركة التنصير باتجاه منطقة القبائل ووسط إفريقيا منذ إنشاء الكاردينال لافيجري ما يسمى بفرقة الآباء البيض، وفي سنة 1876 أرسلت الكنيسة ثلاثة من المنصرين إلى «تمبكتو» في مالي لكنهم لم يصلوا إليها، ولكن حركة الآباء البيض لم تستسلم وواصلت إرسال المبشرين، فقد كلف الكاردينال «لافيجري» رئيس البعثة الدينية في «ورجلة» وهو القس «ريتشارد» بأن يذهب ليستقر في «غدامس» فاستطاع هذا الأخير التجوال في بلاد الطوارق وكان يقدم المساعدات من أجل تقريب الطوارق من المسيحية، لكن ما حدث لبعثة فلاتير كان كفيلًا بتقليص رغبة المبشرين في الذهاب إلى بلاد الطوارق بشكل كبير.
وهناك حاليًّا أكثر من 300 منظمة تنصيرية غربية تعمل في «مالي»، وتستغل المؤسسات التنصيرية «الجهل والفقر والمرض» لمحاولة تغيير هوية المسلمين الذين يمثلون 90% من سكان البلاد، وذلك بحسب تصريحات فتحي عيد، مدير مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي في «مالي»، في مقابلة نشرها موقع الندوة على شبكة الإنترنت، أكد خلالها أن «مالي» مستهدفة وبشدة من المنظمات التنصيرية لأنها كانت مملكة إسلامية، والإسلام متجذر في أهلها، على الرغم من كل ما فعله المحتل الفرنسي.
التنصير في السودان:
السودان من أكثر الدول التي عانت من التنصير، وخاصة في الأقاليم الحدودية، وكان انفصال جنوب السودان أحد نجاحات حركة التنصير التي عملت لعقود طويلة في الجنوب لمنع نشر الدعوة الإسلامية هناك وتوسيع رقعة المسيحية.
وتتولى المنظمات الكنسية هناك بعض المشاريع الإنسانية العلاجية والتعليمية والإغاثية، مثل: الراهبات، وأطباء بلا حدود، ومدارس كمبوني، وسنت جيمس، ويتم ربط هذه المؤسسات الخدمية بالأنشطة الاجتماعية كجمعية القديس منصور، والقديسة ماريا تريزا بالدمازين بالسودان، وربط هذه الكنائس باسم القبائل لضمان استمراريتها.
التنصير في دارفور:
تسللت جماعات التنصير إلى إقليم دارفور تحت غطاء أعمال العنف بين متمردي الإقليم والقوات السودانية، وركزت جهودها في مخيمات اللاجئين.
ووصل عدد منظمات التنصير إلى نحو 30 منظمة تعمل تحت ستار المنظمات الإنسانية، وأعلنت منظمة «كاريتاس» العالمية الكاثوليكية أنها تستهدف 125 ألف مسلم في دارفور.
التنصير في شرق ووسط إفريقيا:
في سنة 1819، اتفقت الكنيسة البروتستانتية مع الأقباط في مصر من أجل إرسال بعثات تنصير إلى الحبشة ودول شرق إفريقيا، وبعد ذلك، أخذت تتوالى البعثات السويدية والإنجليزية ووصلت إلى «مومباسا» في كينيا، فيما وصل الرهبان البيض الفرنسيون الذين يقودهم لافيجري إلى أوغندا.
أما بالنسبة لإفريقيا الوسطى، فقامت بالتبشير هناك بعثة ليفنستون وستانلي سنة 1978، ثم بعد ذلك تقاسمت البعثات الألمانية والإسكتلندية والإنجليزية المنطقةَ الممتدة من شرق إفريقيا ووسطها حتى الخرطوم والحبشة، أما مدغشقر فقد كانت من نصيب البروتستانت.
التنصير في أوغندا:
رغم أن الإسلام كان أول دين سماوي يدخل الأراضي الأوغندية، حيث سبق النصرانية، إلا أن الوسائل التي لجأ إليها الاستعمار في إشاعة الأمية والفقر في أوساط المسلمين، أفقدتهم أي نفوذ في أوغندا، حتى عانى المسلمون في العقود الأخيرة من حالات التهميش.
وعلى الرغم من أن المسلمين كانوا يشكلون 40% من سكان البلاد، إلا أن هذه النسبة تراجعت إلى 30% ووصلت في عام 2003 إلى 16% فقط، فيما شكل الرومان الكاثوليك 33% والبروتستانت 33% وأصحاب المعتقدات المحلية 18% من مجموع السكان البالغ عددهم 26 مليونًا، أي أن عدد المسلمين يبلغ 4 ملايين نسمة فقط.
التنصير في مصر:
منذ سنة 1819م اتفقت الجمعيات التنصيرية مع أقباط مصر على إنشاء جمعية لنشر الأناجيل في إفريقيا، ورغم النزاع القائم بين الكاثوليك والبروتستانت لم يمنع ذلك من توحدهم على إتمام هذه المهمة، وتعمل الكنيسة المصرية في نشاط التنصير من خلال مجالات عدة، منها المجال الثقافي الذي تتزعمه الكنيسة البروتستانتية باعتبارها الأكثر تعلمًا وثقافة وقدرة على الجدل مع المسلمين، وكذلك لارتباطها مع المؤسسات التنصيرية العالمية، ويتبع لهذا القسم عدد من القنوات الفضائية، كما أن لدهم أكثر من خمسمائة موقع إلكتروني، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المنصرين والمتنصرين.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.