الإعلام في المجتمع المسلممقالات

لبنى شرف

يقول الدكتور عبد اللطيف حمزة في تعريف الإعلام الإسلامي: هو إعلامٌ ذو مبادئ أخلاقية وأحكام سلوكية مستمدة من الإسلام، وهو إعلام واضح صريح عفيف الأسلوب، نظيف الوسيلة، شريف القصد... غايته الحق، لا يضل ولا يضلل، ولا يتبع الأساليب الملتوية، ولا سبل التغرير والخداع، وهو كل ما يصدر عن وسائل وأجهزة الإعلام في المجتمع الإسلامي، من مواد ورسائل وأخبار وحقائق وندوات وبرامج موجهة، اقتصادية واجتماعية وثقافية وترويحية وغيرها.



وتعقب الكاتبة لبنى شرف على ذلك بقولها:



إن إعلاماً يتصف بهذه الصفات، وله هذه الميزات، لهو إعلامٌ راقٍ حقاً، يحترم العقول، ويرتقي بها وبالفهوم والسلوكيات، ولا يُهيِّجُ الغرائز، فهو إعلام صادقٌ عفيف، وهو إعلام له غايته وأهدافه وهويته، فهو ليس حيادياً؛ لا طعم له ولا لون ولا رائحة، وإنما له طعمٌ حلوٌ كالعسل، ولونٌ مبهج للنفس ومريح للنظر، ورائحة طيبة كريح المسك، لا يأتي إلا بخير، ولا يدعو إلا إلى خير. مستقل بمنهجه وبأسلوبه المميز له، لا يستورد الأفكار من مجتمعات قد ضلت سبيلها في الحياة، وغير منضبطة بمنهج رباني، ثم لا يزيد إلا ان يُعدل قليلاً من هنا، وقليلاً من هناك، ثم يضيف بعض النصوص ويقول هذا يتفق مع ديننا! فهذا إجحاف ما بعده إجحاف في حق إسلامنا العظيم، وتقصير ما بعده تقصير في فهم وتدبر نصوصه ومنهجه..



ثم تستكمل حديثها عن الإعلام الإسلامي في عدة فقرات، نلخصها لقرائنا الكرام:



الإعلام الإسلامي إعلام ذكي يتحرى صدق ودقة الخبر ووجوب التثبت منه قبل نشره، لأنه منبثق من عقيدة المسلم، عقيدة الوضوح والاستقامة والنصاعة، فلا يقوم شيء فيها على الظن أو الوهم أو الشبهة، قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا}.. وهذا التثبت لا يقدر عليه إلا من لديه القدرة على استنباط الحقيقة، واستخراجها من ثنايا الأنباء المتناقضة، والملابسات المتراكمة، يقول تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}. وقال البغوي: إنما ذم هذه اللفظة، لأنها تستعمل غالباً في حديث لا سند له، ولا ثبت فيه، إنما هو شيء يحكى على الألسن، فأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بالتثبت فيما يحكيه، والاحتياط فيما يرويه، فلا يروي حديثاً حتى يكون مروياً عن ثقة.



وليس سبقاً إعلاميًّا نشر الأخبار دون التثبت من صحتها، والتأكد من مصدرها، كما وأنه ليس سبقاً إعلاميًّا نشر أقوال العلماء ومن عرفوا بالصلاح ونسبها إليهم دون التأكد من صحتها على الوجه الذي رويت به، فكم من فتوى أو قول روي عن عالم بشكل غير دقيق لأن الراوي لم يحسن فهمها، فأساء في النقل والتبليغ، فطارت بها الألسن وتلقفها الناس من رسائل الإعلام، والناس عادة تحب الغريب من الأقوال. هذا بالنسبة للعلماء خاصة، وأما بالنسبة للمسلمين عامة، فلا بد من التبين فيما يقال عن المسلم من أخبار سيئة، وأقوال مشينة، ولا نسارع بروايتها دونما تثبت، فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}. وجاء عن الإمام ابن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.



فالواجب على كل من سمع طاعناً بأخيه المسلم، أو متهماً له بمكروه، أن يتسلسل بالسؤال إلى أن يعرف مصدر القول، ثم يتفكر، هل هذا ممن تقبل شهادته؟ هل عرف فيه الكذب؟ هل سبق أن جاهر بمعصية؟ ما درجة حفظه وضبطه لما يسمع؟ فلعله يجد من خلال التمحيص من يُطعن في التزامه بدين الله، فيتضح له سوء النية والقصد، أو يرى ضعفاً في الضبط والحفظ وخللاً في النقل.



ثم توالي الكاتبة توجيهاتها بخصوص تلقي المعلومات ونشرها دون تثبت:



فاتقوا الله يا من تخوضون في لحوم العلماء فإنها مسمومة، واتقوا الله من الخوض في شؤون الناس، واتركوا الكلام المتعلق بحقوق العباد، فكم من شريف زنا على ألسنتكم، وكم من عفيف سرق من كلام لم تحسنوا نقله، واجعلوا الكلام كلمتين، كلمة نافعة في أمر دنياكم، وكلمة باقية في أمر آخرتكم، فعقل الكريم زائد على لسانه، وفم الحكيم في قلبه، ولكن قلب الأحمق في فمه. واتقوا الله يا من تتتبعون عورات المسلمين لتنشروها، حتى وإن كان من باب أن يتعظ غيرهم، فهذا ليس بالأسلوب الصحيح، فربما يزيدهم إفساداً، ويكون فتنة لأصحاب الذنوب في رفع حجاب الحياء، والمجاهرة بالمعاصي، ولكن الستر أولى، مع النصح في الخفاء، أما نشر فضائحهم على الملأ، والتشهير بهم، فربما يضر بالمجتمع المسلم، من إشاعة الفاحشة والفسق، وانتشار البغضاء والنزاع بين المسلمين. قال عليه وآله الصلاة والسلام: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم"، وقال: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفْض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المؤمنين ولا تعيّروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله".



إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام مجتمع له أدب رفيع، ولكل فرد فيه كرامته التي لا تُمَس، فعلى الإعلام أن يراعي حضارة الكلمة في خطابه، ووضاءة الصورة في عرضه، فلا سخرية، ولا استهزاء، ولا تهكم، ولا ننعت بنعوت تربأ الآذان عن سماعها، ولا مناظر يندى الجبين لرؤيتها، فهذا أسلوب لا يليق، جاءنا من ثقافات دخيلة، لا تقيم للأخلاق وزناً، ولا للآداب قيمة، غزت فكرنا، ولوثت قيمنا.



إعلامنا ينبغي أن يكون عميق الفكرة، غزير المضمون، قوياً في الطرح من غير تعقيد، بسيط الأسلوب من غير سطحية، يُجمِّل القشرة بالقدر الذي يشد الناظر إلى سبر غور اللب، فيجد له حلاوة، فيستحسنه، وإلا فسيُتَّهم بالخداع والتزوير، لانعدام التوافق بين العنوان والمضمون. يُعنى بالفعل ولا يقف عند حد القول، فهذه الندوات والمناظرات وحلقات النقاش ما هي إلا تلاقح للعقول والفهوم والخبرات، فإن لم يكن القصد من ورائها الوصول إلى ثمرات عملية في النفس أو المجتمع، فهي ضرب من النقاش والبحث المذموم، كما قال الإمام الشاطبي: (الاشتغال بالمباحث النظرية التي ليس لها ثمرة عملية مذموم شرعاً)، لأنها ستكون مضيعة للوقت والجهد، وإشغالاً للعقل عما هو أجدر أن يُشغل به. وقال الشاطبي فيما يتعلق بالعلم: (خذ من العلم لبَّه، ولا تستكثر من مُلَحه، وإياك وأغاليطه)، هذه قاعدة تتسع لتشمل قضايا وجوانب عديدة في هذا السياق الذي نتحدث عنه.



وتختم الكاتبة مقالها بكلمة عن دور المرأة في الإعلام، فتقول:



أريد هنا أن أوجه كلمة للإعلام الملتزم، ترى.. هل من كرامة المرأة المسلمة أن تستغل في الدعاية والإعلان؟ أليس بإمكان الرجال أن يقوموا بهذا الدور؟ وهل هناك من ضرورة وحاجة حقيقية لظهورها في الإعلام المرئي؟ هل من جديد أتت به لا يستطيعه العلماء والدعاة، أو حاجة خاصة بالنساء قضتها؟ فلو كان ظهورها ظهوراً عابراً كلقاء مع إحدى الداعيات مثلاً أو المفكرات... حتى توجه رسالة للنساء وتستثير هممهن، فربما يكون لهذا ما يسوِّغه، ولكن ربما يصعب في كثير من الأحيان تلافي وتجنب المحاذير الشرعية في الظهور المتكرر والمستمر. أنا أقول هذا من باب الحرص على الأخت المسلمة والمجتمع المسلم، فالموازنة بين المصالح والمفاسد أمر ضروري، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وليس من باب تهميش دور المرأة المسلمة أو التقليل من شأنها، فالباب واسع أمامها في مجال المنافسة الجادة والنافعة، وكما أن للرجال دورًا يقومون به لا يُستغنى عنه، فللنساء أيضاً دور يقمن به لا يُستغنى عنه، فكلاهما أشبه بجناحي طائر، فهل يستطيع ذو الجناح الكسير أن يحلق في الآفاق.

0 شخص قام بالإعجاب


شاهد أيضاً