كيف أطبِّق ((بلِّغوا عني ولو آيةً)) في وسائل التواصل؟مقالات

المستودع الدعوي الرقمي

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))[1].

يأمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المسلم بتبليغ ولو آيةً واحدة؛ حتى يسارع كل مسلم إلى تبليغ ما بَلَغه من الشرع مهما قلَّ، وحتمًا سيصل كل ما جاء به صلى الله عليه وسلم إذا فعل كل مسلم ذلك.

قال البيضاويُّ: "قال: ((ولو آية))، ولم يقل: ولو حديثًا؛ لأنَّ الأمر بتبليغ الحديث يُفهَم من هذا بطريق الأَوْلَوية، فإنَّ الآياتِ مع انتشارها وكثرة حَمَلتها، وتكفُّل الله سبحانه بحفظها، وصونها عن الضياع والتحريف، إذا كانت واجبةَ التبليغ، فالحديث الذي لا شيء فيه مما ذُكر أَوْلى"[2].

ويكفي شرفًا من يبلِّغ ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يدخل في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

وهذا استفهام تقريريٌّ؛ أي: لا أحد أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله مع العمل الصالح الذي يُصدِّق قوله، ومع استسلامه لله تعالى منكِرًا ذاته، فتصبح دعوته خالصةً لله تعالى، ليس له فيها إلا التبليغ.

ويكفيه أيضًا جزاءً وكرمًا من الله أن يكون من المفلحين، ويدخل في الآية: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

وفي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا))[3].

وفي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ))[4].

إن الدعوة إلى الله تعالى من أيسر الأمور، يمكنك ممارستها في كل أحوالك؛ فإنها لا تشترط أن يقوم بها المختصون أو المدرَّبون أو مَن وظيفتُهم الدعوة؛ بل يمكن أن يقوم بها كل مسلم حتى لو نشر آية أو حديثًا أو ذِكرًا، فيؤجر على ذلك.

ولقد قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].

ومن الحكمة اتباع أفضل وأسهل الطرق للوصول إلى الناس، وليس هناك أفضل وأسهل من مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى البشر حول العالم وأنت في مكانك دون عناء؛ حيث إن الإنترنت قد صار من ضروريات الحياة لجُلِّ البشر في هذا العصر، وصار الإنسان أسيرًا لها، فعلى كل مسلم مخلص أن يسخِّر ذلك في تبليغ دعوة ربِّه ونشر دين الله بين سائر البشر.

إن استثمار وسائل التواصل الاجتماعي في الدعوة إلى الله تعالى صار ضرورة؛ حيث يسعى أصحاب الهوى والضلال للسيطرة عليها بكل جِدٍّ، وجعلها مستنقعًا للشر وكل الموبقات من القاذورات الفكرية والنفسية، ومنهم من يستخدمها لأهداف مباحة اقتصادية أو ترفيهية أو ثقافية أو غيرها، ولا يسع الدعاة والصالحين اعتزال هذه الوسائل؛ دفعا للباطل ورحمة بنشء وأبناء المسلمين الذين سيتأثرون حتما بالباطل إن لم يجدوا فيها من ينشر الخير.

فيجب على الدعاة استثمار هذه الوسائل واستخدامها في نشر الدعوة إلى الله، وعدم تركها للأعداء وأهل الباطل يتحكَّمُون فيها، ويُدمِّرون العالم بنشر الشر والفساد، وهذه مسؤولية الأمة، ومسؤولية كل مسلم يستطيع الإسهام في نشر الخير ولو بتبليغ آية.

وإن مجال الدعوة على وسائل التواصل مفتوح لكل مخلص يريد أن يقوم بالدعوة إلى الله، مهما كان علمه، كثيرًا أو قليلاً؛ فإن في الدعوة إلى الله: تذكير ووعظ الغافلين، وتعليم الجاهلين، والأمر بالمعروف والطاعات والفضائل ومكارم الأخلاق، والنهي عن المنكر، والزجر عما نهى الله عنه، ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام... إلخ.

وفيها: تحبيب الله إلى عباده، بذكر نعمه، وكرمه ورحمته بعباده، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله.

وهذه بعض الأفكار في ذلك، وعلى المسلم أن يبدع ويبتكر لينشر دين الله وأحكامه وطاعته بين البشر:

- أن يخلص المسلم لربه وينوي نشر الخير وما يعلمه أو يصله من علم أو دعوة.

- حبذا لو كان لك معرفة بالتصميم على البرامج كالفوتوشوب أو عمل الفيديوهات، أو تتعاون على الخير مع من له معرفة بذلك؛ حتى يخرج ما تبلِّغه في أحسن صورة، فينتشر وتجد الإقبال الكبير، وتحصد الأجر العظيم من الله تعالى.

- نشر المقالات والفتاوى المفيدة الموجودة في المواقع الإلكترونية ونقلها إلى مواقع التواصل المختلفة.

-نقل المحاضرات والندوات العلمية للعلماء عبر البث المباشر لينتفع بها طلبة العلم.

- الإعلان عن المحاضرات والأنشطة الدعوية التي تفيد طلبة العلم وتزيد الوعي.

-نقل الصلوات والمحاضرات والفعاليات عبر البث المباشر، التي ينتفع بها المسلمون في البلاد البعيدة.

- رفع الصوتيات من تلاوات القرآن للقراء المشهورين المجيدين، والمحاضرات والدروس العلمية، لمن أراد السماع وللمكفوفين، ولسائقي السيارات.

- نشر أخبار المسلمين التي توحِّد الأمة في الاهتمام بقضاياها المهمة وأحوال المسلمين وأخبارهم في بلاد العالم المختلفة، مع الحرص على بد أن تكون المصادر موثوقة، وتحكي الواقع كما هو.

- الإشارة إلى الشخصيات ذات الرأي والثقافة والعلوم المختلفة التي تفيد كتاباتها في نشر العلم وزيادة العلم.

-الإشارة إلى المواقع الإلكترونية المفيدة في كافة المجالات الشرعية والأدبية والثقافية والاجتماعية وغيرها.

- الاهتمام بالقضايا والشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام وأذنابهم ونشر الردود عليها؛ مثل القضايا الخاصة بالمرأة والطفل وتدمير الأسرة المسلمة وغيرها، والردود على أصحاب الأفكار الضالة والمبتدعة بنقلها أو تلخيصها في صورة ميسرة مع مراعات آداب الإسلام في الخلاف.

-الاهتمام بدعوة غير المسلمين، ونشر رسائل دعوية ميسَّرة لهم تدعوهم إلى الإسلام، وتذكر فضائله، وحبذا لو كانت باللغات الأجنبية لمن له معرفة بها أو بالتعاون مع بعض المسلمين ممن يتقنون هذه اللغات، ونؤكد على الاهتمام باللغات الأخرى غير العربية، وأهمية وجود المتقنين من أهل الدعوة في الترجمات؛ ففي ذلك نشر كبير للإسلام.

- نشر الكتب المفيدة والإشارة إليها والإعلان عن الكتب الجديدة منها وذكر نبذة عنها أو رفعها إن أمكن، أو وضع رابط لها في المواقع التي تهتم بالكتب.

- اقتباس الفوائد من الكتب والمقالات ونشرها، مع العزو إلى المصدر.

- ولتحذر الفتوى بغير علم أو نشر شيء من العلم لا تثق بصحته، ولتحذر فتنة النساء خاصة في الرسائل الخاصة.


[1] رواه البخاريُّ.

[2] قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 665).

[3] رواه مسلم.

[4] رواه مسلم.