كما سبق أن بينَّا في مقال سابق أن في عالم الحياة الدنيا أمة واحدة شغلت هي ونبيها من القرآن الكريم حيزًا كبيرًا لم يحصل مثله لأمة غيرها.
نرى أن القرآن قص علينا تاريخها من يوم تكوينها إلى انقطاع وحي السماء إلى خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، وأن هذه الأمة هي أمة بني إسرائيل، وأن نبيها هو كليم الله موسى عليه السلام، وبينا في المقال السابق تاريخ موسى من يوم أن ولد إلى أن توفاه الله سبحانه في التيه شاكيًا ربه قسوة قلوب بني إسرائيل.
والآن نقص عليك أطوار هذه الأمة من يوم أن تكونت كأمة في مصر، وما دبروه لامتصاص أموال المصريين، وما عاناه منها نبيها الذي أرسله الله لإنقاذها، وكيف تمردت عليه، ورغم كل ذلك كان - سبحانه - يمد لها من الغنى، ويمهلها، حتى إذا ما استفحل شرها دمغها بالعقاب الخالد، الذي ذاقت ويلاته ما هو ماثل أمام من يرى ومن يسمع على يومنا هذا، كما ستعلم ذلك واضحًا. هذا في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى لو كانوا يعلمون.
نقول: يحدثنا القرآن أن سبب تكوين هذه الأمة في مصر، وتثبيت أقدامها فيها، هو وفود يوسف بن يعقوب عليهما السلام، مجلوبًا بضاعة على يد قافلة قادمة من الشام التقطته من البئر الذي ألقاه فيه اخوته من أبيه، وباعته هذه القافلة لعزيز مصر بثمن بخس دراهم معدودة، وأن هذا العزيز "أي الوزير الكبير" اشتراه عبدًا مملوكًا، وأوصى به امرأته خيرًا، عسى أن ينفعه أو يتخذه ولدًا.
ويقص عليك القرآن أيضًا ما حصل ليوسف، بعد ما بلغ مبلغ الرجال، من المحنة مع امرأة العزيز، ودهشتها عندما فاجأها لما راودته عن نفسه بسرعة الاستعصام، والالتجاء إلى ربه ليحفظه من هذه الفتنة.
قال تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ}.
ويقص علينا القرآن حدثًا غريبًا في التاريخ ألا وهو سطوة امرأة الوزير على كل من حولها، حتى تجرأت بدون مبالاة على الجهر بأن يوسف إذا لم يفعل ما ترى فلا بد من سجنه؟ ومن البديهي أنه زاد امتناعًا، ومن العجب أنه فعلًا سجن! يا للعار لهؤلاء الرجال.
سجن يوسف ومكث في السجن مدة قيل إنها سبع سنين، ولم ينقذه من السجن إلا تفسير رؤيا ملك مصر الذي كان يجهل ما صك الأسماع، وزكم الأنوف، من فضائح جرت في عاصمة ملكه.
عبرة في أعطاف عبرة وإن كانت من نوع آخر:
ضع أيها القارئ الكريم المصحف أمامك، وافتحه على سورة يوسف، ثم اقرأ متمهلًا أول آية 23 إلى آخر آية 51، ثم فكر مليًّا ماذا يريد القرآن أن يلفت نظرك إليه من هذا القصص الذي ما جاء إلا للعبرة كما في آية 111 من هذه السورة {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.
أقول: تأمل ثم قل بخشوع المؤمنين: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}.
دولة كبيرة كمصر في ذلك الحين غاضت فيها مياه الغيرة على الأعراض، وتبجح نساء عظمائها إلى هذا الحد الفاجر[1]، وكانت لهن الكلمة العليا في تصريف الشؤون، فيسجن من شئن ويلعبن بمصير الرجال، والرجال لاهون، الوزير الكبير لا يخجل، والملك آخر من يعلم[2].
وبعد: فهل رأيت هذا الفحش الفاحش، والاستهتار السافر يقبله عربي أو مسلم شرفه الله بالإسلام؟ قل معي: شكرًا لك يا رب على أنك رضيت لنا الإسلام دينًا.
نقول: لما خرج يوسف من السجن، وذهب لمقابلة الملك استجابة لطلبه، وما أن رآه الملك وحدثه حتى أعجبه علمه وخلقه، فعرض عليه أن يختار عملًا يكله إليه ليساعده في إدارة شؤون مصر، فطلب يوسف أن يكون وزيرًا للمالية.
وفي الحق أن يوسف عليه السلام ذكر للملك صفتين منَّ الله بهما عليه، هما كل ما يجب أن تتوفرا في وزير المالية، الأولى الأمانة وحفظ الأموال من الضياع في غير الوجوه الصالحة، والثانية العلم بطرق استثمار الأموال وتنميتها، فقال: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.
ومن الطبيعي أن مالية مصر بعد أن صارت تدار بمهارة يوسف عليه السلام نمت وترعرعت، وتوفر لمصر من ثمرات الأرض ما لم يتوفر لغيرها مما حولها.
ثم يحدثنا القرآن بعد ذلك الجدب الذي أصاب بلاد الشام التي فيها يعقوب وبنوه، وعن ايفاده أبنائه لمصر يجلبون لهم القوت، وأن يوسف عرفهم وهم لم يعرفوه. وحدثنا القرآن عن إكرام يوسف لأخوته، وايفائهم الكيل ليسهل عليه الوصول لما يريد، ولهذا أمر فتيانه أن يدسوا البضاعة التي جاؤوا بها من الشام ليشتروا بها القوت، يضعونها وسط أمتعة اخوته وهم لا يشعرون، ثم قال: إذا جئتم المرة الثانية فيجب أن يكون معكم أخوكم من أبيكم، فإن لم تأتوا به فلا كيل لكم عندي، ولا تقربوا بلادنا.
ولما رجعوا أخبروا أباهم بأنهم لا يستطيعون جلب قوت من مصر ثانيًا إلا إذا كان معهم أخوهم بنيامين، فرفض أولًا، ولما فتحوا متاعهم ووجدوا بضاعتهم ردت إليهم، ألحوا على أبيهم بأنه لا خوف على أخينا عند هذا الرجل الكريم الذي أعطانا ما نريد بلا مقابل، ولا زالوا به حتى قبل، وأرسل بنيامين معهم، ولما دخلوا على يوسف أسر إلى أخيه الحقيقة، ودبر حيلة تمنعه من الرجوع معهم، وفعلًا رجعوا دونه، فحزن يعقوب عليه السلام حزنًا شديدًا حتى كاد يفقد بصره، ثم ألجأتهم الظروف إلى الرجوع لمصر ثانيًا طالبين بضاعة، عند ذلك صارحهم يوسف بالحقيقة، وقال لهم اذهبوا وأتوني بالأسرة جميعها، وفعلًا جاءت أسرة يعقوب (الذي يسمى إسرائيل) إلى مصر (أبو يوسف) وأمه وأخوته العشرة الباقون، وبضم هؤلاء ليوسف وأخيه يكون مجموع أولاد إسرائيل اثني عشر ولدًا، أقامت الأسرة بمصر معززة مكرمة، تقرأ بعض مظاهر ذلك فيما جاء في التوراة التي بين أيدينا الآن في آية 11 من الاصحاح 47 حيث تقول: فأسكن يوسف أباه وأخوته وأعطاهم مكانًا في مصر في أفضل الأرض من أرض رعمسيس.
لعلك الآن أدركت الخلية الأولى لهذه الشرذمة التي مد الله سبحانه لها كما مد لإبليس، لحكمة سامية لا يدركها إلا العالمون، وسيمر بك بعضها إن شاء الله.
مكث بنو إسرائيل بمصر يتوالدون ويتناسلون مدة طويلة، قدرها بعض الباحثين بنحو أربعة قرون، حتى تولى أمر مصر ملك لا يعرف ليوسف فضلًا، ورأى بني إسرائيل يكثرون ولهم مهارة في امتصاص أموال المصريين، فخاف على قومه أن يغلبهم هؤلاء الدخلاء على بلادهم[3]، فطفق فرعون يخضد من شوكتهم، يقتل أبناءهم، ويستبقي نساءهم للخدمة.. إلى أخر ما قصه القرآن.
في هذا الجو المشحون بالكراهية لبني إسرائيل، ولد موسى عليه السلام، وكان من شأنه ما قصصنا عليك في المقال السابق.
ولننظر الآن ماذا كان من بني إسرائيل بعد أن أنقذهم الله من بطش فرعون وجنوده، هل شكروا الله على هذه النعمة العظمى؟ وهل وقروا نبيهم الذي أنقذهم الله سبحانه على يديه؟
كلا، لا نعمةَ الله شكروا، ولا قدروا فضل موسى عليهم، فعقب خروجهم من البحر ولا زالت آثار مياهه عالقة بأرجلهم كما يقولون، رأوا قومًا يعبدون أصنامًا لهم، {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.
فلو لم يكن لهذا الشعب الجَحود سوى هذه الجريمة النكراء لكانت وحدها كافية لكشف خبث طواياهم، وأنهم ليسوا أهلًا لسوابغ نعم الله عليهم، ولكانت كافية أيضًا في تدميرهم السريع، ولكن كيد المنتقم الجبار يملي للظالم، حتى إذا غرق في جرمه إلى الأذقان، وأحاطت به خطيئته، أخذه الله أخذ العزيز القادر بما يسجل عليه الخزي الخالد، والشقاء الأبدي، كما سيأتيك نبأه قريبًا إن شاء الله.
هذه أولى جرائمهم، وستتلوها رفيقاتها تترى.
وإليك الجريمة الثانية، وهي أكبر من أختها:
وعدَ الله - سبحانه - موسى أن يعطيه ألواح التوراة بعد انقطاعه للعبادة أربعين ليلة، بعيدًا عن قومه، استعدادًا لمناجاة ربه، فأستخلف موسى على قومه في هذه الفترة أخاه هارون يرعى مصالحهم، ويحرسهم من أن تلعب بعقولهم الشياطين.
فماذا كان من هؤلاء وهم يعلمون أن موسى ما فارقهم إلا ليرجع إليهم بخيري الدنيا والآخرة؟
فبدَل أن يعكفوا هم أيضًا على الطاعة، والشكر لله على هذه النعمة الجلى، أقبلوا على الارتكاس في تلك الشناعة الشنعاء حيث استهوى عقولهم ماكر خبيث يدعى (السامري) فجمع كثيرًا مما حمله بنو إسرائيل من ذهب المصريين، وصنع له منه صورة عجل، ورتب أجزاءه الداخلية على كيفية تجعل الهواء إذا دخل جوفه من الخلف يخرج من فمه صوت كصوت خوار البقر.
وقال لهم هذا هو إلهكم وإله موسى، نسيه هنا وذهب يبحث عنه، فسرعان ما نسي هؤلاء تقريع موسى بالأمس القريب، وأقبلوا يعبدونه، واتخذوه إلهًا، ولما نهاهم هارون عن ذلك ما كان جوابهم إلا أن قالوا: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} اقرأ كل ذلك في آيات 85 إلى 98 من سورة طه.
هذه ثانية الجرائم، وإليك ثالثها:
ويحسن أن نقدم لك بين يدي الجريمة الثالثة ما يكشف بعض غامضها، ذلك أن كثيرًا من الناس يظنون أن بني إسرائيل آمنوا جميعًا بموسى، ضرورة أنه جاء لإنقاذهم من شقاء مقيم، ولكن الواقع يجافي ذلك، فإن جبنهم وشدة حرصهم على الحياة، وعبادتهم للمال صرفهم كل ذلك عن دعوة موسى، ولعلك تعجب إذا علمت أنه لم يؤمن بموسى إلا بعض ذرية منهم، وقلوبهم تضطرب خوفًا، لا من فرعون فحسب، بل ومن كبارهم، الذين رأوا أن ما جاء به موسى لا يجلب مالًا، ولا يجعل لهم على غيرهم سلطانًا، قال تعالى: {فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ}. آية 83 من سورة يونس.
يا للعار! ذرية من بني إسرائيل تخاف على نفسها إن آمنت بموسى، وممن تخاف؟ من زعماء بني جنسهم كما تخاف من عدوهم فرعون سواء بسواء، ولكن لا عجب إذا علم أن قارون كان من قوم موسى كما في آية 76 من سورة القصص، ومع ذلك استعبده حب المال، فتوسل لجمعه بتملق فرعون، وإعلان الإخلاص له والكفر بموسى، فوضعهما القرآن بالنسبة لعداوة موسى في قرن واحد فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} الآيتان 23 و 24 من سورة غافر.
فانظر إلى هؤلاء الذين ككان موسى عليه السلام ينتظر منهم أن يكونوا عضدًا له يساندونه عند الشدة، كما فعل أنصار النبيين غيرهم، وإذا بهم يكونون أول من فت في عضده، وصدمه بما حز في قلبه، وذلك أنه لما جاء برسالة ربه، وغضب فرعون، واشتد إيذاؤه لبني إسرائيل، قالوا ما يشبه أن يكون توبيخًا لموسى، اقرأ قوله تعالى في ذلك: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ[4] وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} من سورة الأعراف.
أليس هذا تصريحًا في أنهم يقولون كما نريدك سببًا في كثرة أموالنا، لا سببًا لزيادة شقائنا.
وإليك بعد ذلك جريمتهم الثالثة التي تنادى بأن الإيمان بموسى لم يخالط قلوبهم، انظر كيف تجرأوا على موسى وقالوا لن نصدق أنك رسول الله إلا بعد أن نرى الله عيانًا، ويخبرنا أنه أرسلك.
قال سبحانه في ذلك: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} آية 55 من سورة البقرة.
والرابعة:
سبق ما يعلم منه أن كبار بني إسرائيل كانوا مع كفار المصريين على اتفاق في الطعن في موسى ومن ذلك قول قارون وأمثاله {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} وأنهم كانوا يحطمون أعصابه كما تقدم في قولهم {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} كل هذا وأمثاله مما يؤذي موسى عليه السلام، خصوصًا إذا صدر من قومه وأحب الناس إليه، ومن جاء يريد لهم الحياة الكريمة، لذلك وأمثاله قال لهم موسى: {يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي[5] وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} آية 5 من سورة الصف.
والخامسة:
أخذ الله عليهم العهد المشدد على العمل بالتوراة، وعدم الخروج على موسى فأعرضوا بعد كل ذلك.
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الآيتان 63 و 64 من سورة البقرة.
والسادسة:
بعد كل هذه الجرائم طلب موسى من ربه العفو عنهم فأمره سبحانه أن يبلغهم أن يدخلوا القرية[6] التي ستلاقيهم خاضعين لله، متضرعين، طالبين من ربهم أن يحط عنهم خطاياهم، فإذا فعلوا ذلك غفرنا لهم، ونزيد من يحسن خضوعه منهم إحسانًا.
فماذا كان منهم؟ دخلوا القرية متعجرفين قائلين استهزاء: يا ربنا نريد حنطة نملأ منها بطوننا، فأنزل الله عليهم عذابًا من السماء.. إلخ.
اقرأ في ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} الآيتان 58 و 59 من سورة البقرة.
[1] انظر الآيات من 28 إلى 32.
[2] آية 50.
[3] اقرأ الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} من سورة الشعراء. واقرأ قول فرعون في شان موسى: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} من سورة الشعراء. فهذه الآية الثانية تبين معنى الغيظ الذي يقصده في الآية من أن تكون أرض مصر خاصة ببني إسرائيل يتصرفون فيها كما يشتهون.
[4] المراد سنشتد في قتل الأبناء.
[5] والعرب تستعمل مادة الإيذاء في كل ما يؤلم ويؤذي حسيًّا كان، أو معنويًا، انظر آية 12 من سورة إبراهيم، 195 آل عمران، 34 الأنعام.
[6] يقال إنها أريحاء.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.