القرآن الكريم دراسته وتعليمه في جميع بلاد الإسلاممقالات

رابطة العالم الإسلامي

بعث الله تعالى خاتم رسله محمدًا – صلى الله عليه وسلم – إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا بكتاب عربي مبين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، أُحكمت آياته ثم فصلت من لدُن حكيمٍ خبير، ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم.

فهو الحق القاطع والنور الساطع المستقيم، والمنهج القويم الذي فرض الله على العباد أن يؤمنوا به، ويهتدوا بهديه، وينتهجوا سبيله، ويَلزموا طريقه في الأقوال والأعمال، وسائر الشؤون والأحوال، وحذرهم غاية التحذير من التفريط فيه والإعراض عنه وسلوك غير سبيله والعمل بغير تعاليمه.

وأمر الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن يبلغه لعباده فقال:

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، وقال: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}.

فبلَّغ – صلى الله عليه وسلم – رسالة ربه فبشر وأنذر وحث وحذر وبين وأوضح وعلم وربى على نهج كتاب ربه أمةً مؤمنة قوية عادلة، لم تطلع الشمسُ على مثلها في العالم إيمانًا، وطاعة وهدًى وفضلًا وقوة في الدين وعدلًا.

استظلت بالقرآن واعتصمت به في كل سبيل، وعاش في كنفه منها كلُّ قَبيل، وحرصت كل الحرص على استذكار آياته وتدبر معانيها، وتلاوتها مع فهم مقاصدها ومراميها، فكانت أعدل أمة، بل أثمن درة في تاج تاريخ الأمم.

ذلك شأن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن تبعهم بإحسان من أمة القرآن في عهد ازدهار الإسلام ونضارته وصولته وقوته وانفعال النفوس به والحفاظ على جدته.

ثم خلت قرون وتبدلت شؤون، وتتابعت أحداث، وخلف من بعدهم خلف قد استهواهم الشيطان فلم يسلكوا سبيل أسلافهم في القيام بحق القرآن حفظًا وتلاوة وتدبرًا وفهمًا، فنالهم بشؤم ذلك كثير من الذل والهوان، أهملوا حفظ القرآن في مكاتب تحفيظه، بل أهملوا بعد ذلك إنشاء هذه المكاتب نفسها فحرم الأبناء من حفظ القرآن في حداثة السن، وبداية التربية، ثم أهملوا حفظ القرآن وتدريسه في مراحل التعليم بعد المدارس، والمعاهد فتخرج الأبناء منها أخلياء من القرآن حفظًا ودراسة.

وحينما قررت بعض البلدان حفظ قليل منه وتدريسه بمدارسها جعلوه مادة إضافية بين مواد التعليم لا يترتب على الرسوب فيها أثر فكان كأن لم يكن، وبذلك تقلص ظل القرآن في المدارس في هذه الأزمنة الأخيرة في معظم البلدان حفظًا، وتعليمًا، وكل ذلك تنفيذ لمخطط إجرامي أثيم اصطنعه وأحكم تدبيره أعداء القرآن والإسلام من الأجانب المستعمرين الذين بأيديهم مقاليد التعليم في البلاد التي منيت بهم، وتبعهم في ذلك بعض الضعفاء الإمعات، والمنافقين من أبناء البلاد ويمكننا أن نقول – في غير مغالاة – إن الشباب المسلم محروم الآن في أكثر بلاد الإسلام من حفظ القرآن، ودراسته في المرحلة الثانوية من مراحل التعليم، وفي الجامعات بأسرها، وهم في السن التي يحتاجون فيها أشد الاحتياج إلى ضبط النفوس، وقمع الشهوات، والتربية الدينية، والتهذيب والتوجيه إلى الخير والصلاح بوازع ديني محكم قويم وذلك بحفظ كثير من آيات الذكر الحكيم، ودراسة تفسيرها، وفهم معناها القويم.

ولا شك أن ذلك خطر كبير على المجتمع الإسلامي، وسبب قوي لانحلاله وتمزقه يحمل تبعاته الجسام من لم يحسن الرعاية من المسؤولين عن التعليم في البلاد بل استهان بالأمر حتى استفحل الشر، وساءت العقبى وأصب الإسلام غريبًا كما بدأ.

ولا سبيل للخلاص من هذا الخطر الداهم، والخروج من عهدة الإثم البالغ إلا بتنفيذ ما يأتي:

1/ الإكثار في البلاد الإسلامية من إنشاء مكاتب التحفيظ للقرآن، يذهب إليها الأطفال في بدء نشأتهم ليحفظوا بعض أجزاء من القرآن عن ظهر قلب، مع قليل من المعلومات الأولية على أن يكون التعليم فيها إجباريًا.

2/ وجوب حفظ أجزاء من القرآن، لا تقل عن ثلثه، في المرحلة الابتدائية للتعليم، موزعة في سنواته العديدة، مع تفسير المحفوظ تفسيرًا بسيطًا للمفردات والمقصود من الآيات.

3/ متابعة ذلك في المرحلة الثانوية، مع قليل من التوسع في التفسير يناسب نمو المدارك في هذه السن.

4/ تكميل هذه المراحل في التعليم الجامعي، حيث يكون الطالب قد كمل استعداده، فيتم له حفظ أغلب القرآن، وفهم أكثر معانيه وحسن التوجيه إلى أحكامه ومراميه.

5/ وفي كل هذه المراحل يكون هذا التعليم مادة إجبارية أساسية في التعليم، يترتب على الرسوب فيها عدم الانتقال إلى صف أعلى، وتوضع مناهج حفظ القرآن لكل مرحلة، بل لكل سنة، على غرار مناهج العلوم الأخرى في المدارس في جميع المراحل.

6/ يختار لتدريس مادة تفسير القرآن وتحفيظه للطلاب من يتوافر فيه الصلاح والتقى والغيرة الإسلامية والاحتفاء بالدعوة إلى الإسلام من المدرسين.

7/ تخصص مكافآت شهرية أو سنوية لمن يلبي أمر التحفيظ في مكاتب التحفيظ في سائر القرى، والمدن تشجيعهم وترغيبهم في حسن القيام بمهمتهم الجليلة، وتصرف المصاحف والأجزاء للتلاميذ مجانًا، ويمنح كل من أتم جزءًا مكافأة مالية، وهكذا في سائر الأجزاء في هذه المرحلة تشجيعًا له.

8/ تخصص مكافآت مماثلة للحفاظ من التلاميذ لهذه المراحل التعليمية تشجعهم، وتتفاوت بقدر اجتهادهم في الحفظ والفهم.

9/ إنشاء معاهد في البلاد الإسلامية لتجويد القرآن – بعد حفظه – وتلقِّي الروايات السبع المعروفة، وذلك لتخريج حفاظ ثقات يعرفون بإتقان علم الروايات والقراءات، وبذلك تبقى سلسلة الرواة متصلة وذلك من الفرائض في حق القرآن.

10/ تعميم هذا النظام بأسره في الدول الإسلامية، بحيث تشتمل قوانين التعليم في كل دولة عليه.

11/ يسمح لأي طالب أن ينتسب لأي معهد من هذه المعاهد، مهما كانت جنسيته، ما دام مسلمًا حافظًا.

12/ على المسلمين الذين يقيمون ببلاد غير إسلامية أن ينشئوا مكاتب لتحفيظ القرآن وتدريسه، ويمولوها بقدر الإمكان، وعليهم أن يتصلوا بالدول الإسلامية لمدهم بما في الإمكان من المساعدة.

______________________________

نص قرار مجلس رابطة العالم الإسلامي عن القرآن الكريم ووجوب تعليمه ودراسته في جميع بلاد الإسلام.