ترجم هذا البحث الدكتور أمير رضا، وتفضل الأستاذ محمود مهدي إستانبولي - مشكورًا - بإرساله إلينا لنشره، ونحن نقدمه للقراء الكرام هنا لافتين النظر إلى ما يعترف به هذا البحث من تحريف الكتاب المقدس كما قرر القرآن الكريم: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا}. (الوعي).
أصدرت مجلة (لايف) العالمية عددًا خاصًّا باسم "الكتاب المقدس" (المجلد 38 العدد 7 الصادر في أبريل 1965) بدأته بمقدمة عامة تلخص فيها تاريخ هذا الكتاب وتطوراته وترجماته، وقد رأينا نقل مقتطفات من هذه المقدمة إلى العربية ونشرها لتعم الفائدة، والله الموفق الهادي إلى سواء السبيل.
تقول المجلة: "هذا الكتاب الذي نحن بصدده أوسع الكتب انتشارًا وأكثرها أثرًا في تاريخ البشر. ولكنه مع ذلك كتاب كتبه الإنسان، إن مؤلفيه يحملون أسماء ذائعة الصيت مثل: (يساياه) و(ايزيكييل) و(جريمياه) و(القديس بول).
ولكن أغلب كلماته كتبها آخرون لا يَعرف أحد من هم؟ ولا يمكن معرفتهم في يوم من الأيام.
لقد ظل الوحي الإلهي إلى الإنسان ينتقل من الأب إلى الابن ألف سنة تقريبًا بعد (ابراهيم) من غير أن يكتب. وبعد ذلك فقط بدأ اليهود في تدوينه، وكان ذلك قبل ألف سنة تقريبًا من ميلاد المسيح. فأخذوا يسجلون القصص والقصائد القديمة. وأضافوا إليها قصصًا وقصائد أخرى جديدة. وقد استلزم الأمر أن تعاد كتابة لفائفهم عدة مرات. وأن تنقل وتنسخ. مما أوجد فرصًا عديدة لا تحصى لتغييرات كثيرة لا حد لها، بعضها مقصود والبعض الآخر غير مقصود. ولما بدأت المسيحية تنتشر بسرعة ازدادت الحاجة إلى عمل نسخ جديدة، لا سيما (العهد الجديد) وأخذ كثير من المؤمنين يصنعون نسخًا لأنفسهم بأنفسهم. أو كان أحدهم يقرأ بصوت مرتفع في (النسخ) بينما كان يتلقى عنه ما يقرب من اثني عشر ناسخ وهذا ما مهد الطريق لأخطاء أكثر وأكثر... لذلك فإنه لا يوجد اليوم أي نص (أصلي) لأي جزء من (الكتاب).. وربما حوى (العهد الجديد) تغييرات أكثر وأبلغ من (العهد القديم).
ثم جاءت الحركة المعاصرة التي نشطت إلى اكتشاف الآثار لتحقيق أحداث (الكتاب المقدس) تحقيقًا علميًّا واقعيًّا تاريخيًّا. وأدت هذه الحركة إلى بعض اللفائف الخطية القديمة وإلى حفريات تاريخية، وإلى دراسات لغوية متعمقة.
وكل هذا اضطر دارسي (الكتاب المقدس) إلى إعادة النظر في شروح هذا الكتاب وتهذيب التفسيرات القديمة، وفي هذه المعركة العلمية تكاتف اليهود والكاثوليك والبروتستانت وغيرهم من الرجال اللاكنَسيين على الدراسة وتبادل المعلومات (فالكتاب المقدس) يتكون من جزئين أو عهدين:
الأول: هو (العهد القديم) وهو مشترك بين اليهود والنصارى، إلا أن ترتيب الأسفار يختلف عند كل من الطائفتين.
الثاني: هو (العهد الجديد) وهو مشترك بين الكاثوليك والبروتستانت، إلا أن (الكتاب المقدس) البروتستانتي يستبعد أحد عشر سفرًا تعترف بها الكنيسة الكاثوليكية ولا تعترف بها الكنيسة البروتستانتية وهي الأسفار (الأبوكريفية)[1].
وفي السنوات الأخيرة ظهرت عدة ترجمات حديثة (للكتاب المقدس) حملت جميع الفوارق والتعيينات الطائفية وعززت الاتجاه العالمي إلى التقارب بين الطوائف المختلفة. ونذكر على سبيل المثال: (الكتاب المقدس الأخوي) الذي لم يتم بعد. وهو أول ترجمة كاثوليكية رسمية إلى الإنجليزية تعتمد على النصوص العبرية والاغريقية بدلًا من الترجمة اللاتينية التي قام بها القديس جيروم في القرن الرابع الميلادي والتي اعتمدها البابا من عام 1592م.
بل إن التفاهم قد ذهب إلى حد أبعد من ذلك عندما قبلت الكنيسة الكاثوليكية الترجمة المسماة (بالمنقحة) للاستعمال الرسمي في إنجلترا فيما عدا بعض التغييرات البسيطة وهذه الترجمة هي التي تقرها رسميًّا الكنيسة البروتستانتية الأمريكية، وقد تمت بعد أبحاث بالغة في الدقة، ويمكننا أن نؤكد أنها تخلو من الأخطاء الترجمية العديدة التي تتناثر خلال ترجمة الملك جيمس المعتمدة في إنجلترا.
وتوجد الآن خطط جدية لقبول ترجمة انجليزية موحدة لجميع الطوائف العقيدية. وكان هذا الاقتراح قد أثير من زمن بعيد، ثم جدده من خمس سنوات مضت أحد الأمريكان الجيزويت في مقال بعنوان (الكتاب المقدس رباط وعهد) وردده مرة أخرى البابا بول في قراره المسكوني الأخير. وهكذا، بعد أن سبب (الكتاب المقدس) في القديم الكثير من المشاحنات والمعارك التي أسالت الدماء قد أصبح في عصر التفاهم العالمي الحالي رباطًا وثيقًا بين الكنائس، وسببًا من أسباب السلام بينها.
إن (الكتاب المقدس) كتب أول ما كتب باللغة العبرية القديمة وباللغة الكوئينية، أي الإغريقية إلا أنه عاش أكثر ما عاش في الترجمة. وكل الترجمات ناقصة قاصرة، وكانت طريق المترجمين محفوفة بالمخاطر والصعوبات فقد عجز القديس جيروم نفسه عن إرضاء الكنائس المعاصرة له والتمشي مع ذوقها وميولها.
وكانت ترجمة وايكليف (1382م) أول ترجمة انجليزية، إلا أنه بسبب بعض كتبه الأخرى نبش أساقفة إنجلترا قبره أحرقوا جثته. وتلت هذه الترجمة ترجمة تندال (1525م). التي استحقت أن تحرق نسخها على نطاق واسع.
وكان أسقف لندن يشتري نسخها من الخارج لإحراقها بالجملة وتخليص الناس منها.. أما المترجم تندال فقد قبض عليه في بروكسل وقتل خنقًا، ثم أحرقت جثته، إلا أن هؤلاء الرواد الأوائل مهدوا الطريق لمن قاموا بترجمة الملك جيمس. وهي الترجمة التي أدت إلى مرونة اللغة الإنجليزية الأدبية بنفس الطريقة التي أدت بها ترجمة لوثر إلى صياغة اللغة الألمانية في قالبها الأدبي الحديث.
وكانت أول ترجمة للكتاب المقدس ظهرت في أمريكا باللغة الألجونكينية[2] وظل التاج البريطاني يحتكر ترجمة الملك جيمس في أمريكا إلى قيام الثورة الأمريكية، فصرح الكونجرس في عام 1782 بعدم التمسك بها. فما كان من توماس جيفرسون إلا أن ألف كتابًا مقدسًا لنفسه وهو رئيس للولايات المتحدة سماه (فلسفة يسوع - على هيئة كتيب مبسط).
[1] هذه الأسفار الأحد عشر هي التي استبعدها البروتستانت من (الكتاب المقدس) بزعمهم، لاعتقادهم أنها مكذوبة، فليت شعري أهي فقط المكذوبة أم يوجد غيرها؟ وما هذا الكتاب الذي اتخذت كل طائفة منه جزءًا وتستبقي الجزء الآخر؟ أهكذا يصنع بكتاب من عند الله؟
[2] اللغة الألجونكينية لغة الهنود الحمر، تنتشر في أمريكا الشمالية.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.