المسلمون في كينيامقالات

مترجم من التركية

مقال مترجم من اللغة التركية

تمّ نشر المقالة يوم 10/4/2019م

المساحة: 580.367 كيلو متر مربَّعًا.

عدد السكان: 450.010.056 نَسَمةً.

نسبة المسلمين: 25-30%.

العاصمة: نيروبي.

اللغة الرسمية: الإنجليزية – السواحليَّة.

تشكِّل الأقلية المسلمة في كينيا – وهي من أهمِّ الدول في إفريقيا - ما نسبتُه (25-30%) من السكان، وهذه النسبة كبيرة وقويَّة وفعَّالة جدًّا في البلاد، حيث يعيش معظمهم في المناطق الساحلية المهمَّة إستراتيجيًّا واقتصاديًّا، ومنذ قرون بعيدة يعيش معظم المسلمين في كينيا في المدن الساحلية حيث الموانئ والنشاط الاقتصاديُّ النشط والمكثَّف.

ومن المعلوم أن المسلمين يمثِّلون أحد أقدم المجتمعات تاريخيًّا في المنطقة، ويمثِّلون كذلك المجتمع الأكثرَ نفوذًا ثقافيًّا واجتماعيًّا في كينيا قبل الفترة الاستعمارية التي بدأت عام 1895م؛ حيث إن إدارة المناطق الساحلية على سواحل المحيط الهندي - في أغلب فترات تاريخ المنطقة - كانت تخضع بالكامل للدول الإسلامية؛ لكن ببداية فترة الاستعمار تحوَّل هذا الوضع إلى العكس.

وكانت العلاقات التِّجارية البحرية بين سواحل كينيا والجزيرة العربية نشِطةً منذ فترة ما قبل الإسلام، وكانت سببًا في دخول الإسلام إلى كينيا في وقت مبكِّر عن طريق التجَّار المسلمين العُمانيين سنة 685م، حيث تطوَّرت العلاقات التجارية والدينية، وحالات الزواج والمصاهرة، فظهرت الثقافة واللغة السواحلية، التي هي مَزيج بين العرب وإفريقيا، وقد أُنشئ أول مسجد في المنطقة في سنة 830م.

ومنذ عام 1200م وما بعدَها أصبحت المدن التالية كلُّها مسلمة: (مومباسا – كيلوا – لامو – ماليندي)، وهي تقع على طول الساحل، بفضل التجارة البحرية أيضًا.

أما المناطق الداخلية من القارة، فهي مناطق ذات غابات كثيفة؛ ما أدَّى إلى عدم اهتمام المسلمين بهذه المناطق الداخلية.

ومنذ القرنِ السادسَ عَشَرَ، انقطع تفوُّق المسلمين ووجودهم القويُّ في كينيا؛ بسبب النفوذ البرتغالي في المنطقة، والحروب بين الدول الإسلامية المحلية والقوات البرتغالية، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

ففي هذه الفترة من بداية القرن السادسَ عَشَرَ، بدأت سواحل كينيا – التي كانت تُعَدُّ من أكثر السواحل الإفريقية جذبًا للتجارة والنشاط الاقتصادي – في فقدان مَجْدِها بعد قدوم القوات البرتغالية وتدميرها جميعَ المدن الساحلية، وخاصةً مدينة (مومباسا)، حتى إن الدولة العثمانية أرسلت في سنة 1585م قوَّةً إلى سواحل (مومباسا) لمنع هذا الخراب والدمار، وأضافتها إلى الدولة العثمانية؛ ولكن قام البرتغاليون بمذبحة كبيرة في عام 1589م، واستعادوا (مومباسا)، ولا تزال آثار القلعة التي بناها الجيش العثماني في المنطقة قائمةً حتى اليوم.

ومنذ القرن السابعَ عَشَرَ، وبعد انهيار النفوذ العثماني، كانت الشواطئ الكينية تحت حكم سلطنة زنجبار قبالة تنزانيا، إلى أن احتلَّها البريطانيون في بداية القرن العشرين.

وعلى الرغم من أن الإدارة الإسلامية كانت قد سادت في هذه المنطقة في القرنِ الثامنَ عَشَرَ، فإن هذه الهيمنة والسيادة كانت محدودةً بسبب تأثير القوى الاستعمارية الأوروبية المختلفة.

 وبفضل السكك الحديدية التي أقيمت بين (مومباسا) و (أوغندا) أصبح السفر أسهل، ليس فقط بالنسبة للمستعمرين؛ ولكن أيضًا للمسلمين، فأقاموا مستوطناتٍ جديدةً في المناطق الداخلية من القارة، وقد حاول البريطانيون أن يتماشوا مع المسلمين في تلك المنطقة لأنهم كانوا أقوياء من الناحية الاقتصادية، وكانوا الطبقةَ الحاكمة للمنطقة لعدَّة قرون، ومع ذلك فإن انتقال الإدارة الاستعمارية من (مومباسا) في الساحل إلى نيروبي في الداخل عام 1907م، دفع بالمجموعات التبشيرية الطَّمُوحِ إلى الداخل؛ مما سمح للبريطانيين بالتسلُّل إلى المناطق الداخلية رفقة المبشِّرين، ومن هنا قلَّ تأثير المدن الساحلية، ومن ثَمَّ قلَّ تأثير المسلمين هناك بعد إنشاء مركز إداري جديد في البلاد.

ومع زيادة نفوذ الإدارة الاستعمارية التي بدأت جزئيًّا في مناطقَ مختلفةٍ عام 1895م، ثم أصبحت احتلالًا مباشرًا في عام 1920م، فصادرت جميع الحقوق السياسية للسكان المحليين، وتمَّ الاستيلاء على أراضيهم الخصبة ومنحها للمزارعين البريطانيين، وعلى ذلك استمرَّ الاحتلال ومعه العمل التنصيريُّ.

وقد حصلت كينيا على استقلالها عام 1963م، بعد كفاح مرير ضد الاحتلال، وانتفاضات كبيرة في الخمسينيات من القرن العشرين، ثم بدأت مرحلة جديدة، شهدت فيها البلاد صراعًا سياسيًّا داخليًّا، وانقلاباتٍ عسكريةً متعدِّدة، بين الجماعات العِرقية المختلفة في البلاد، وقد وصلت هذه الصراعات السياسية والتوتُّرات إلى مستوى الحروب الأهلية بين الجماعات العِرقية المختلفة التي في السُّلطة ومنافسيها، تسبَّبت هذه الصراعات والتوتُّرات السياسية في موت الآلاف من الناس.

أما المسلمون في كينيا فغالبيتهم من السُّود، وهم أهل البلاد، ومعهم نسبة كبيرة من العرب، والصوماليون، وأصحاب الجذور الهندية، كل هؤلاء يمثِّلون الهُوِيَّة الإسلامية في البلاد، وهناك عدد قليل جدًّا من السكان الشيعة في كينيا.

وقد ظل الإسلام في كينيا هو المعتقَدَ السائد في المدن على طول الساحل لمئات السنين؛ لهذا السبب بُنِيَتِ الكثير من المؤسسات الإسلامية في المدن الساحلية، وتتركَّز معظم المساجد والمدارس الإسلامية والمؤسَّسات الصحية في هذه المناطق؛ لذلك هناك اختلافات كبيرة بين المسلمين الذين يعيشون في المناطق الداخلية والمسلمين على الساحل من حيث التعليمُ والفُرص الاجتماعية، أما المسلمون من أصل صومالي، فبعد عام 1991م استقرَّ الآلاف من اللاجئين الصوماليين في المناطق الشمالية الشرقية لكينيا بعد فرارهم من الحرب الأهلية الصومالية.

ويعاني الأشخاص من ذوي الأصل الصومالي أضرارًا جسيمة كلَّ فترة يزداد فيها التوتُّر العِرقيُّ في البلاد، كما أن الإداراتِ الكينيةَ ترى أن هذه الأقلية الصومالية التي تعيش في المناطق الشمالية بالقرب من الحدود مع الصومال تمثِّل تهديدًا لها في هذه المنطقة، من ثم كانت نظرتها دائمًا إلى هذه الجماعات من الأصل الصومالي نظرة شك.

وهناك العديدُ من المؤسَّسات التي تمثِّل المسلمين في البلاد، أهمُّها وأقدمُها: (الجمعية الوطنية للمسلمين الكينيين)، التي تأسَّست عام 1968م، تعتمد هذه المجموعة ماليًّا على بعض الدول العربية عوضًا عن الدول المحيطة بها. وهناك (المجلس الأعلى لمسلمي كينيا) الذي أُنشئ عام 1973م، والذي يُعتبر دارًا للإفتاء هناك، وقد تبنَّت الدولة هذا المجلس واعتبرته السُّلطة الرسمية الوحيدة لمسلمي كينيا في عام 1979م.

وتقوم الدولة الكينية بتعيين "قاضي أول للإرشاد القانوني"، وهو يُعتبَر مستشارًا للرئيس الكيني في علاقته مع المسلمين، ولدى المسلمين أيضًا محكمةٌ معترَف بها رسميًّا تعمل منذ عام 1963م في قضايا الأُسرة والميراث، وتكون صلاحية هذه المحكمة ساريةً إذا كان كلا الطرفين من المسلمين في قضايا الزواج والطلاق والميراث.

ولا يتناسب تمثيل المسلمين في الحكومة والبرلمان مع عددهم ونسبتهم الكبيرة؛ فعلى مستوى التمثيل البرلماني لا تتجاوز نسبة المسلمين في البرلمان 12%، وهذه النسبة كانت الأسوأَ في الماضي؛ ولكنها بدأت تتحسّن منذ عام 2007م، حيث تمَّ تخصيص (32) مقعدًا للنوَّاب المسلمين في البرلمان، المؤلَّف من (222) مقعدًا، ويُعتبر هذا تطوُّرًا إيجابيًّا للغاية مقارنةً بنسب التمثيل المنخفضة فيما مضى.

وهناك (20) جامعةً خاصَّة تُدار من قِبَل الكنائس في البلاد، في حين أن للمسلمين جامعةً واحدة فقط.

وأهم المشكلات وشكاوى المسلمين في البلاد هي السياسة العنصرية التمييزية التي تزايدت في السنوات الأخيرة، وكانت قد تسبَّبت في أعمال عنف كثيفة بين عامي 1992م و 1994م، كما لَقِيَ عددٌ كبير من الناس حتفهم في الصراعات بين مؤيِّدي الحزب الإسلامي الكيني الذي تأسَّس عام 1992م والحكومة، وبعد إغلاق هذا الحزب، ومع عفو عام 1998م عاد زعيم الحزب إلى البلاد بخطاب سياسي أنهى التوتُّر بين الطرفين، وبعد هجمات 11 سبتمبر في أمريكا عام 2001م أصبح هناك سرعة في التهميش الرسمي والمدني للمسلمين، والآن صار من الممنوع منعًا باتًّا إنشاء أي حزب إسلامي في كينيا.

وفي عام 1998م، وعلى الرغم من أن جميع أنواع التمييز الديني محظورة في كينيا، فإن الهجماتِ ضد السفارة الأمريكية في كينيا - التي تُعَدُّ من أكبر حلفاء أمريكا في إفريقيا - كانت نقطةَ تحوُّل سلبية جديدة في تغيير المواقف تُجاهَ المسلمين في كينيا، بالرغم من أنه لم يكن لهم أي علاقة بالحادث؛ فلم يكن الأشخاص الذين نفَّذوا هذه الأعمال كينيين، ومع ذلك تمَّ إغلاق بعض المنظَّمات الإسلامية، وتمَّ اعتقال العديد من الأشخاص المسلمين.

أما المشكلات الإنسانية العامة التي تواجهها كينيا كدولة، فهي مشكلة كبيرة للأقلية المسلمة، فيُعتبر الفقر والبطالة والفساد والتوتُّر العِرقيُّ في البلاد عواملَ تضرُّ بالمجتمع المسلم، كما أنه يضرُّ بالمسلمين أيضًا انقساماتهم ونزاعاتهم الداخلية التي جلبت معها الانقسامات المحلية الأخرى.

بالإضافة إلى مشكلات المسلمين الذي يعيشون في المناطق الريفية الشمالية الشرقية، الذين لديهم مشكلاتهم الخاصة؛ مثل أنهم يُعتبَرون أجانبَ من قِبَل الحكومة الكينية، فقد طردت الحكومة الكينية معظم المسلمين من أصل صومالي في هذه المنطقة بعد تطبيقها للسياسة العرقية في الثمانينيات، وإن السلبية في هذه المناطق التي يعيش فيها المسلمون تزيد 70% عن المناطق الأخرى في كينيا؛ فمثلاً بينما يوجد طبيب واحد لكل 20 ألف شخص في جميع أنحاء كينيا، فإنه يوجد طبيب واحد لكل 120 ألف شخص في المناطق التي يعيش فيها المسلمون، إضافة إلى الممارسات التمييزية التي تمارسها الحكومة الكينية في مجال التعليم؛ بسبب سياسات الحكومة في المناطق الداخلية والشمالية حيث يعيش المسلمون.