إمام المسجد، همسات دعويةمقالات

المستودع الدعوي الرقمي

إن المسجد ليس مجرَّد مكان يقام فيه الصلاة؛ أو أنه بيت الله وأشرف البقاع على ظهر الأرض فحسبُ؛ بل إنه محور حياة الأمة الإسلامية، وسرُّ قوتها، ومصنع أبطالها، والمدرسة التي تخرِّج الأجيال الصالحة وتعلِّم المسلمين كل أمور حياتهم، وهو مكان التقاء المسلمين وتجمُّعهم الدائم وتقوية الأواصر بينهم.

ولمعرفة أهمية المسجد بالنسبة للأمة؛ فانظر إلى أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة؛ كان بناءَ المسجد، فكان المسجد أوَّلَ لَبِنة وأساسَ بناء الدولة الإسلامية؛ فأمَّةُ الإسلام قِوامُها المساجد، وقد ضعفت الأمة حين ضعف دور المسجد في حياتها، ولا سبيل لنهضة الأمة وعودتها لمجدها التَّليد وقيادة العالم إلى حضارة القيم والروح والأخلاق إلا بعودة تفعيل دور المسجد في حياة الأمة.

- لقد كان المسجدُ على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم موطنَ الدعوة ودارًا للفتوى، وبه يَلْقى الوفودَ والسفراء، ومنه كانت تنطلق غزواتُ المجاهدين في سبيل الله، وإليه تعودُ بعد أداء مَهمَّتها... إلخ.

إن أعداء الأمة قد حاربوا المساجد وقصروا دورها على أن تكون مكانًا للصلاة فقط، حتى الصلاة والعبادة يضيِّقون عليها بإغلاق المساجد بعد أداء الصلوات المفروضة مباشرةً في سائر البلاد العربية والإسلامية، فيجعلون دور المسجد مجرَّد مكان تقام فيه الصلوات الخمس فقط، دون أي دور للمساجد في إصلاح المجتمع والأمة؛ ما أثَّر على المجتمعات والأمة بالإفساد والضعف، وقد توعَّد الله من يضيِّق على المساجد بقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114].

إن المسجد مؤسَّسة إسلامية عظيمة لا يدانيها أيُّ مؤسسة إسلامية أخرى، ولا يمكِن إصلاح المجتمع والأمة إلا بتفعيل دوره، وهذا هو الدور المنوط بأئمة المساجد في هذا الزمان؛ حيث إنهم الحرَّاس على أهمِّ ثغور الأمة؛ المساجد، فعلى إمام المسجد أن يعمل على عودة المسجد إلى دوره الرياديِّ كما كان على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم قدر استطاعته؛ ليؤدِّيَ رسالته الرُّوحية والتعليمية والاجتماعية، فيعود مِحورًا لحياة المجتمع فيما يستطيع من المجالات النافعة للأمة والمجتمع، وهذه بعض الهمسات والنصائح لإمام المسجد:

- من أنت إمامهم في المسجد هم الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18]، وقال: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].

-إنك أيها الإمام إمام لصفوة المجتمع الإسلامي، روَّاد المساجد، مجتمع الطُّهر والصفاء، والنظافة الحسية والمعنوية والنقاء، الذين أثنى اللهُ - تبارك وتعالى - عليهم فقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 36 - 38].

- عليك بتكوين مكتبة علمية وثقافية تفيد طالب العلم وتحبِّب المدعوِّين في القراءة والعلم، ويجد بها طالب العلم بُغيته من الكتب، وحبَّذا لو أُلحق بها المكتبات الإلكترونية التي لا غنى لطالب العلم والباحث عنها الآن، ويُدعى أهل الخير لتوقيف الكتب عليها حتى تصير مكتبة شاملة.

-عليك الاستفادة من الكفاءات العلمية من أهل الصلاح في تفعيل دور المسجد؛ مثل تكوين مجموعات دراسية لرعاية الطلاب وتقديم العون لهم ومساعدتهم في دروسهم كي يتفوَّقوا، ومن ثَمَّ تخفيف كثير من الأعباء عن كاهل الأسرة، وتوثيق علاقة الشباب بالمسجد، ومثل إلحاق مستوصَف طبيٍّ به أطبَّاءُ ذَوُو كفاءة لمعالجة المرضى، خاصة المحتاجين، وهكذا.

- غرس محبَّة المسجد في نفوس الشباب وأطفال الحي، وتشجيعهم على الصلوات في المسجد جماعةً، خاصَّةً صلاةَ الفجر، بالقيام بالأنشطة المختلفة والمتنوِّعة؛ مثل: إجراء مسابقات بينهم في ذلك مع هدايا تشجيعية محبَّبة لهم، ومسابقات حفظ القرآن وحفظ السنَّة النبوية والمتون العلمية والشروح وغير ذلك، وحثُّ أهل الحيِّ على إحضار أبنائهم للصلاة والمداومة عليها، وحثُّ المصلِّين على الصبر على أخطاء الصغار في المسجد، وعلى استخدام الرفق واللين والتشجيع معهم.

- القيام بأنشطة ورحلات ومسابقات رياضية وثقافية وترفيهية للشباب والأطفال من أهل المسجد، خاصة في الإجازات.

- ينبغي أن يعودَ دور المسجد كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رعاية الفقراء والمساكين، وتقديم العون لهم، من خلال تلمُّس أحوال روَّاد المسجد، ومعرفة الفقراء والمساكين، والتواصل مع أهل الخير والمؤسسات الخيرية ليساعدوهم.

- تخوُّل المصلين بالمواعظ بعد الصلوات المفروضة، والتعريج على القضايا المجتمعية والمنكرات وما يرفع وعي المسلم بقضايا أمته، وغير ذلك من مواضيع الدعوة.

- نشر العلوم الشرعية من خلال تدريس الإمام أو جلب أهل العلم للتدريس بالمسجد، وإلقاء الدروس العلمية والمحاضرات والندوات على طلبة العلم حسب منهج علمي في اختيار الموادِّ والكتب التي تدرَّس، ودعوة العلماء للقاءات بالمسجد ومحاضرات وندوات ومناقشات وحوارات معهم للاستفادة منهم.

- عمل حلقات لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم التجويد والقراءات للكبار والصغار، والإشراف والمتابعة لها.

- اكتشاف المواهب العلمية والأدبية والثقافية من روَّاد المسجد، وتشجيع أصحابها، وتنميتها، وتوجيههم إلى سبل الخير، والاستفادة منهم في الدعوة إلى الله.

-تلمُّس أحوال روَّاد المسجد وأهل الحي، والسعي في الإصلاح بين الناس وجمع القلوب وتصفيتها، والاستعانة بالوُجَهاء وكبار السنِّ من روَّاد المسجد.

- زيارة المتخلِّفين عن أداء صلاة الجماعة من إمام المسجد وبعض وجهاء روَّاده، والتواصل مع جيران المسجد وأهل الحي، والمحلات التجارية وتذكير أصحابها بالبُعد عن المنكرات، وإهداؤهم الكتيِّبات والمطويَّات الدعوية والهدايا، خاصة في المناسبات كالأعياد، ودعوتهم للحضور إلى المسجد، وإبداء النصيحة لهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحيِّ تُجاه المنكرات المتفشِّية الظاهرة.

- وضع لوحة دعوية في المسجد، مع تجديد المكتوب عليها باستمرار، ودعوة روَّاد المسجد للمشاركة فيها، ويوضع عليها فوائد علمية وفتاوى بأسلوب سهل جذَّاب، وإعلانات أنشطة المسجد، وكذلك وضع صندوق في المسجد لتلقِّي المقترَحات والفتاوى والأسئلة وغيرها.

-الاهتمام بمواسم الطاعات مثل رمضان والحج وتيسير إقامة الطاعات من صلوات واعتكاف وغير ذلك، والإتيان بقرَّاء ذَوِي صوت حسن وإجادة في قراءة القرآن، وتعاهُد المعتكِفين، وقضاء حوائجهم، وتيسير أمورهم.