بركات التشارك المعرفيمقالات

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف

بركات التشارك المعرفي

 

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف

 

تُعدّ التشاركية من أصدق العلامات دلالة على حيوية المجتمع أو المجال أو الموضع ونضج أهله. وبناء على التشاركية في المنافع العامة، والمصالح الكبرى، والمبادئ الأساسية، عاش الناس فيما مضى إلى يومنا وما بعده في وئام مكتسب، ونظام تبادل للفوائد مستمر. وكلما تعمّق هذا الصنيع المبارك في الوجدان العام أدى إلى آثار حميدة فردية وعامة، رسمية وشعبية، حالية ومستقبلية، جوهرية وثانوية، ضمن سلسلة متوالية من فضائل الشراكة التي شرفها الله بالمعيّة شريطة صدق أطرافها. وبهذه السمة التشاركية عُرفت بلاد وشعوب وأعراق، وإنما الغلبة والتأثير لمن تسامى وتعاون مع غيره.

وبما أن المؤسسات المانحة حاضرة في مجتمعاتها، وشريك لحكوماتها في التنمية، وفاعل في التدخل السريع خاصة إبان الأحوال الفجائية مثل جائحة كورونا وما كان على منوالها، فضلًا عن شمول أعمالها لجلّ الفئات، وغالب المجالات، وكلّ المناطق، وأكثر الأوقات، مع وجودها شبه الدائم في المناسبات، لذا امتلكت هذه المؤسسات قدرًا ضخمًا من المعرفة، والخبرة، والمعلومات بما فيها من أرقام، وأوضاع، وحقائق، وطبائع، وربما يتبع تلك المعلومات تحليل وجيه ومقترحات عملية.

إشاعة مفهوم التبادل المعرفي، والتشارك المعلوماتي

لأجل هذا كان لإشاعة مفهوم التبادل المعرفي، والتشارك المعلوماتي، وتيسير تطبيقاته المختلفة بين هذه المؤسسات، فوائد كثيرة منها:

نشر المعلومات العامة، والإحصاءات المحدثة.

تبادل الخبرات حفظًا للوقت والجهد والمال، وتجويدًا للأثر والثمرة.

إنضاج المؤسسات الجديدة في وقت قياسي حتى لا يكون في القطاع ضعيف أو بطئ.

تجنب العثرات المرتبطة بمشروع أو زمان أو مكان أو شريك أو عقبات.

الارتقاء بالعمل المجتمعي سواء في مؤسساته أو أفراده أو حتى عند أجزاء من الشريك الحكومي والتجاري.

الاستفادة من تنوع وجهات النظر حول خبرة أو معلومة أو مشكلة أو فرصة أو شريك.

تنشيط المنافسة التفاعلية بين المؤسسات وإدارات المنح في الشركات والمصارف.

تيسير خطوات إعداد أيّ مشروع جديد، وتنويع خيارات تصحيح المشروعات الحالية.

الاستعداد الرشيد للمستقبل بفرصه ومخاطره وبغتاته.

بناء تجربة محكمة جديرة بأن تروى ويقتبس منها.

البراءة من معرّة البخل بالخبرة خاصة أن المؤسسات المانحة تقوم على فكرة العطاء.

النجاة من إثم كتم العلم والمعرفة العملية والنظرية.

أما كيف يُشاع هذا المفهوم حتى يغدو ممارسة أساسية ضمن نسيج العمل، فيمكن بلوغ ذلك من خلال ما يلي:

إنشاء إدارة خاصة به، أو تكوين مؤسسة مستقلة أو منبثقة عن مجلس المؤسسات الأهلية للتشارك المعرفي.

الاشتراك بين عدّة مؤسسات في مشروع، أو مجال، أو مكان، أو دراسة، أو برنامج تدريبي، بالطريقة التي يرتضونها، وتكوين فرع عمل تمثيلي لهذا الغرض.

تبادل التقارير الدورية، وأدلة العمل، والمنتجات البحثية والعلمية، وأيّ معلومة مفيدة في وقتها.

ابتكار وسائل لتشارك المعلومة مثل إعارة خبير، واتفاقيات التعاون، والاستشارة، والزيارات المتبادلة، ومجموعات التواصل المحصورة على الاختصاص، وتقاسم الإشراف على مشروع، وتقييم مشروعات الآخرين.

توثيق المعرفة ورقيًا أو إلكترونيًا عبر مواقع المؤسسات ومنشوراتها.

إفادة الآخرين بعد المشاركة في اللقاءات العامة المختصرة، والموسعة، عن قرب أو عن بعد، محليًا ودوليًا.

عرض تجارب المؤسسات بدقة وموضوعية، مع التركيز على التوصيات العملية.

التفاعل الإيجابي مع أيّ استطلاع للرأي، أو استبانة بحثية، أو مقابلة جمع معلومات وآراء.

بناء قاعدة بيانات المعرفة المشتركة، وإسناد إدارتها إلى المؤسسات بالتعاقب الدوري.

تشجيع تسجيل موضوعات لرسائل ماجستير ودكتوراه تعتمد على المنهج الوصفي والتحليلي والاستشرافي داخل مجالات عمل المؤسسات المانحة، ودعم الباحثين معنويًا وماديًا.

نقل خبرات الدول الأخرى أو المؤسسات العاملة في أيّ مجال ولديها تجربة تشاركية مفيدة.

عقد لقاء دوري خاص للتبادل المعرفي تحضره جلّ المستويات الإدارية المعنية.

ولا تخلو عمليات التشارك المعرفي من عقبات وإشكالات منها الخوف غير المسوغ من إفشاء معلومات بعيدة عن الخلل أو الحساسية، أو إتاحة جزء من المعلومة فقط وحجب الجزء الآخر بما يجعل تفسيرها خاطئًا أو صعبًا. ومن الإشكالات أيضًا الفئوية في منح المعلومات نوعًا وعددًا وتوقيتًا، أو انتهاج سياسة المعاملة بالمثل، بينما تحتاج التشاركية لمبادرة كريمة، وجرأة شجاعة، وسبق بلا تردد، حتى يحصل الاقتداء، وينكسر الجمود، وأخيرًا فإن التفسير المغرض والبعيد عن المنهج العلمي للمعلومات المعلنة يمثّل عقبة أمام فكرة التشارك العلني.

إن المعرفة علم جدير ألّا يُكتم، وهي كنز ثمين بما فيها من حقائق وآراء ودلالات ورؤى، وليس بكثير عليها حين توصف بأنها ثروة حقيقة بالحفظ، والتوثيق، والنشر، وقمينة بإتاحة سبل الوصول إليها بسهولة وسلاسة، مع جعل مضمونها واضحًا غير عصيّ على الفهم والتعليل، وفتح باب القابلية للسؤال والاستيضاح عن أيّ قسم فيها، كي تغدو عظيمة الجدوى، وتجري فيما بين أهلها وغيرهم دون توقف مثل نهر صافٍ عذب متدفق لا ينقطع ولا يأسن ولا يتكدّر، بل ولتصبح مثل كائن حي ناطق مخبر مبين عن مكنونه بحياد دون تحيّز، إلّا تحيزًا للحقيقة والصالح العام والمنافع الكبرى، وإنّ الإسراع في ابتداء مثل هذه التشاركية لمكرمة لأهلها، وسبيل مضمون لقيادة نطاقها، والثمرة بإذن الله أكيدة، وعلى الله قصد السبيل.

(مصدر المقال: موقع مجلس المؤسسات الأهلية).